من المواقف الخالدة
آية الله البلاغي .. نموذج العطاء لنشر الثقافة الاسلامية
|
*خالد حسين
عرف آية الله الشيخ جواد البلاغي (رحمه الله) بمؤلفاته التي حاجج بقوة الملحدين والماديين واليهود والنصارى.
وهو بهذه الكفاءة العلمية والنشاط كان يعيش غاية الفقر والحاجة، إذ كان بيته دلالة على ملامح الفقر والحاجة، ولم يكن أثاثه سوى حصيراً من سعف النخيل.
حصل ذات مرة أن احتاج الى المال لطباعة بعض مؤلفاته ولم يكن يمتلك شيئاً من المال سوى البيت الذي يسكنه، فما كان منه إلا أن باع البيت دون تردد ونقل عائلته لتسكن في بيت بالإيجار، وذلك ليوفر ثمن طباعة الكتاب.
الصورة التي ترتسم في أذهاننا لهذا الرجل العظيم، تكشف ملامح الإيثار والاخلاص في سبيل الله وقضايا الأمة، فهو الرجل العالم الذي يستحق من أمته كل تقدير واحترام وأن يعيش حياة الملوك، باعتبار أن العلماء هم أخيار الأمة، وأنهم يستحقون كل خير من هذه الأمة، إلا إننا نجده معطاءً وكريماً ومؤثراً على نفسه حتى في الوقت الذي يلقى جفاءً من هذه الأمة التي لم تقدره ولم تعطيه مكانته الحقيقية.
أن آية الله الشيخ جواد البلاغي يقدم لنا نموذجاً في الإيثار والعطاء حتى في أصعب الظروف والحالات التي يكون معها الإنسان بحاجة إلى أبسط أمور الحياة، لكنه يغضّ النظر عن كل شيء وعن أهم ما يملك وهو داره من أجل نشر الثقافة الإسلامية.
إن الشيخ البلاغي ومن خلال موقفه هذا أوضح حقيقة غاية في الأهمية وهي: أن البذل والعطاء في سبيل نشر الثقافة الإسلامية وتعاليم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام لايقل وزناً وثواباً عن إطعام المساكين وبناء الحسينيات والمساجد.
وفي الوقت الذي حدثت التخمة في بعض المستويات من العطاء والبذل، إلا إننا نجد بخساً لحق الثقافة والعلم و وسائل الاعلام المختلفة التي تعمل على نشر الفكر والثقافة الأصيلة، وللأسف هناك مشاهد غريبة وغير طبيعية حيث قد يلح او يفرض البعض من اصحاب المال و التجار على العلماء والمراجع أن تصرف أموالهم الخمسية والزكوية في مصارف كذا.. وكذا... وهذه الشروط هي غير مقبولة منطقاً وديناً، فالمرجع هو الذي يجب أن يشخص الموارد التي يجب أن تصرف فيها أموال الخمس وليس المقلَّد.
فالعالم هو أعرف من غيره بحاجات الأمة وبالموارد التي يجب أن تصرف فيها الأموال، وربما كان دعم الثقافة والفكر والصحافة والإعلام من الاولويات في ظرف معين، ويبقى التشخيص هنا للمرجع وللعالم الذي يقدر الأمور بأحسن تقدير، فالثقافة هي التي تعلم الإنسان كيف ينزع من نفسه ثوب الجهل وكيف يطور نفسه، ويتخلص من سجن الفقر.
فما الفائدة أن تجعل الناس ضعفاء يعتمدون عليك ويصبحون إتكاليين من دون أن تعلمهم كيف يفجرون قدراتهم وطاقاتهم ويصنعوا الحياة الشريفة بأيديهم، فلو صرفت الملايين من أجل مساعدة أشخاص فهل يغير ذلك في حياتهم شيئاً؟ بينما لو جئت لهؤلاء الأشخاص بمعلم يعلمهم فناً أو علماً أو مهنة أو يعلمهم كيف يعيشون لكان أفضل من العمل الأول.
إن ما حلّ بشيعة العراق من مآسٍ وأهوال خلال العقود الماضية إنما هو نتيجة طبيعية لعدم وجود المؤسسات الثقافية والإجتماعية التي تواجه الطغيان الآتي من الطرف المقابل، وعدم وجود مؤسسات التوعية والتثقيف التي تنبه بالمخاطر المحدقة بهم، ولحد الآن للأسف لاتوجد مثل هذه المؤسسات بالشكل المطلوب، ولاتوجد المؤسسة القيادية الكافية التي تتبنى مثل هذه المشاريع، ومع هذا الحال كيف يمكن توقع أن يتطور الوضع الشيعي؟
وسائل الإعلام الشيعية من فضائيات وتلفزيونات وصحف ومجلات هي الأضعف مالاً وامكاناتاً من جميع وسائل الإعلام الأخرى، ويمكن إعتبار الإعلام الشيعي بأنه يمثل نقطة في بحر، وبالطبع فأن الضعف المادي يؤثر على منطق وخطاب هذه الصحف والمجلات.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينقذنا من جور الجائرين وتسلط الحاكمين، والدعاء وحده لايكفي، بل يجب أن نتحرك من أجل تغيير وضعنا والإنطلاق نحو العالم الأوسع والحضارة المتقدمة، وهذا لا يتم إلا عن طريق تأسيس المؤسسات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والإعلامية ودعمها بالمال والأنفس وبهذه الطريقة فقط نستطيع أن ندافع عن كياننا.
|
|