حاجتنا إلى معرفة فاطمة
|
*علي آل غراش
للحديث عن الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) نكهة خاصة ومذاق مميز، ذلك أنها خلاصة النبوة ورحم الإمامة ومثال العظمة ومنبع القداسة ومحل أسرار الله، وهي ملتقى نور الله في النبوة والإمامة، ومنها ومن علي ((عليه السلام)) الامتداد الطاهر لنور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسله. لكن هذا الحديث صعب في إدراكنا لفهمه، لأننا وببساطة فُطمنا عن معرفتها كما أشار بذلك الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر فاطمة، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سُميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها)، ولأن فيها السر المستودع من الله الذي ندعو به حيناً بعد حين كي تقضى حاجاتنا بها وبأبيها، وبعلها وبنيها، (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، وبالسر المستودع فيها...) وما أدرانا ما هذا السر الذي استودع فيها حتى ندعو الله بحقه، ونلجأ إليه كلما ألَمَّ مُلِمٌّ، وأيّ سرّ هذا الذي فُطمنا عن معرفته، وأيّ سرّ هذا الذي عجز عن إدراكه العقل البشري وحار فيه العلماء وأرباب العقول ؟!
لذا كان لزاماً علينا أن نجهد أنفسنا في ملامسة بريق هذا السر الذي عجزنا عن معرفته، عبر التعرض لسناه من خلال التعمّق في معرفة الزهراء (عليها السلام) لعل الله يلقي علينا من فيوضاته ما يقربنا لفهمها أكثر فأكثر.
لقد كان التركيز وما يزال في الحديث عن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) يدور حول ظلامتها في حقها وما جرى عليها بعد وفاة والدها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو حديث يحمل في جنباته ما يحمل من الحزن واللوعة والحسرة، لكن فضلاً عن ما سبق، ثمة حديث يحاول فهمها عبر ما ورد عن النبي وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في حقها و إبراز عظمتها التي ربما نكون قد غفلنا عن الانتباه إليها، لذلك ازداد الحديث نكهة ومذاقاً خاصين كلما حططنا بساحتها، هذا الحديث نحتاجه كل حين حتى نستلهم منه روحا جديدة، ولعلنا من خلاله أيضاً نلامس شيئاً من أطياف أسرارها النورانية، فنمسح به أرواحنا المنهكة ، وبهذا ازداد الحديث صعوبة في فهم هذه الدوحة المباركة، لتبقى جهودنا مجرد محاولات، لأننا وببساطة أيضاً فطمنا عن معرفتها. ولأننا وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنما سُميت ابنتي فاطمة لأن الله سبحانه فطمها ومن أحبها من النار)، نحاول أن نزداد انفطاماً من النار عبر ازديادنا حباً لها، فيا سيدتي؛ نحن لكِ أولياء ومصدِّقون، و لكل ما أتى به أبوك (صلى الله عليه وآله) وأتى به وصيُّه مسلمون، ونحن نسألك اللهم إن كنّا مصدقين لهم، إلا ألحقتنا بتصديقنا بالدرجة العالية، لنبشِّر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتهم (عليهم السلام).
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: لفاطمة موقفاً على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو محب أو كافر، فيؤمر برجل محب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محباً، فتقول: إلهي سميتني فاطمة وفطمت بي من توالاني وتوالى ذريتي من النار و وعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقتِ يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتوالاك وأحب ذريتك وتوالاهم من النار، و وعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك، فيتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف مقامك مني، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً أو محباً فخذيه بيده وأدخليه الجنة.
وفي الحديث الشريف عن مولانا الصادق (عليه السلام): (هي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى). فكيف هي المعرفة ؟! وكيف دارت عليها القرون الأولى ؟! وكيف تمت ؟! إن هذا ما يدعونا إلى مزيد من التأمل والنظر لمعرفتها أكثر فأكثر.
لازلنا سيدتي مفتونين بكِ، نطلب أن ندرك بك غاية المُنى، فاعتقينا من هذه القيود وخذينا نحوك، فيا سيدتي هبينا أن نزداد بك معرفة، وننغرس في أرضك نبتة تروينا بفيوضاتك الربانية، "وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" (الحج /5).
لازلنا سيدتي هنا، نعم هنا؛ بين بقايا أعراب الأمس، نَحنُّ إلى ذلك الكساء حتى نتفيّء بظلاله ونقاوم من خلاله شمس الصحراء المحرقة، نعم؛ ذلك الكساء الذي قال الله فيمن تحته: هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها، (حديث الكساء ص13). فنحن يا سيدتي رغم الجدب ولفح رياح النصب وضياع خارطة الطريق ، لازلنا نتجه ببوصلة الحب إليك.
|
|