لماذا ضفاف دجلة؟!.
|
صادق الازرقي
حرم الشعب العراقي طوال السنوات الست المنصرمة منذ التغيير في نيسان 2003 من التنزه في مركز العاصمة بغداد وبالذات في المناطق التي كانت تعد فضاءات طبيعية للتنزه ونعني بها ضفاف دجلة في رصافة بغداد وكرخها، وكان النظام المباد قد حجر على منطقة واسعة من تلك الضفاف له ولحاشيته ومنع المواطنين من استعمالها والتنزه فيها وقد استبشر الناس خيرا عقب التغيير في ان تعود تلك الضفاف اليهم ويعودون اليها غير ان الوضع الامني غير المستتب الذي اعقب التغيير استوجب فرض حالة منع تجوال اثناء الليل ما حرم المواطن من التمتع بحقه الطبيعي في تلك الضفاف التي تعد ملكا لعامة الناس.
غير ان ما اثير في الآونة الاخيرة وبالتحديد منذ آب الماضي كشف عن محاولات تجري لاستملاك اراض واسعة من ضفاف دجلة لأفراد، وهو امر خطير جداً إذ ان تلك الضفاف كانت ملكا مشاعا طوال تاريخ العراق القديم مرورا بمراحل الدولة العباسية وصولا الى الدولة العراقية الحديثة التي ابقت على تلك الضفاف ملكا مشاعا إذ ان اولي الامر من المخططين ومجالس الاعمار ارتأوا ان من حق ملايين الناس ان تتمتع بتلك الضفاف وانه لا يجب ان تكون لأفراد معدودين وان اول من استعمل تلك الضفاف لأغراض شخصية هو النظام المباد الذي استولت عائلته على مساحات منها لتقيم قصورها واماكن لهوها في حين تم حرمان المواطنين والبغداديين منهم بالذات الذين لم يستطيعوا حتى ان يقتربوا من تلك المناطق.وقد كانت المعارضة للنظام المباد ومنهم اعضاء حاليون في الحكومة وفي مجلس النواب يعدون ذلك التصرف من قبل نظام صدام من ابرز الادلة على طغيانه وجبروته. غير ان سلسلة القرارات والمطالبات التي نشرتها "الصباح الجديد" تشيرالى ان تلك الاراضي التي هي من حصة الشعب العراقي لاغراض الخدمات العامة يجري التخطيط للاستيلاء عليها من قبل المسؤولين الذين إئتمنتهم البلاد على املاكها إذ ان تلك الاراضي يجب ان تكون من حصة الاجيال العراقية المقبلة تتمتع بها بحرية.
وعود على بدء نقول لماذا ضفاف دجلة ولماذا الكرادة بالتحديد؟ سوف نناقش الامر بهدوء ونحاول ان لا نعترض على منح المسؤولين واعضاء مجلس النواب قطع الاراضي بصفتهم مواطنين عراقيين ـ بغض النظر عن حصول المواطن على قطعة ارض من عدمه ـ ولكن الا يحق لنا التساؤل: لماذا يتم اختيار الاراضي في الكرادة وغيرها من مناطق مركز بغداد في حين ان التصاميم الاساسية لبغداد الكبرى تستدعي توسيع فضاءات مركز المدينة وتحويل المناطق السكنية الى الاطراف بسبب التوسع الهائل في التجارة وحاجة بغداد المتكاثرة الى الاسواق والمتنزهات والملاعب الرياضية اسوة بدول العالم.
هناك مناطق واسعة في اطراف بغداد وبينها وبين محافظات واسط وديالى والانبار وصلاح الدين وغيرها تصلح لإقامة المساكن الخاصة بالمسؤولين بامكانهم استعمالها كاملاك شخصية لهم وبمقدورهم مدها بالخدمات المطلوبة وانشاء مجمعات عصرية كما ان باستطاعة كثير من المسؤولين الحصول على قطع اراض في مساقط رؤوسهم وبحسب القانون الذي لم يزل معمولا به الذي يظهر انه يطبق على المواطن فقط و غير ملزم للمسؤولين. لو فعلوا ذلك فلربما تقبل المواطن العراقي الامر، غير ان منافسة ابناء الشعب على اماكن تسليتهم وترفيه اطفالهم ادى بالمواطن الى ان يشعربقلق كبير خوفاً من ان تضيع منه تلك الحاجة الانسانية بعد ان ضاعت منه بالكامل اثناء السنوات المنصرمة وهو يرزح تحت سطوة حظر التجوال ويبقى معتكفا هو واسرته في بيته منذ اول ساعات المساء.
ان الرأي العام العراقي والشعب العراقي عموما يناشد المسؤولين الى التصرف بمسؤولية بصفتهم الحكام الحاليين والمنفذين لرغبات الشعب وكذلك اعضاء مجلس النواب بأن يوقفوا العمل بتلك القرارات وان يبحثوا لأغراض سكنهم الشخصي عن مناطق بديلة عن الكرادة ومركز بغداد لأنها ملك العراقيين جميعا كي لا يفاجأ الشعب بعد تحقق الامن وعودة الحياة الى طبيعتها بعدم وجود اماكن تأويه واطفاله للتنزه بها والتمتع بخضرتها.
|
|