قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

عورات أناث المعز..
قاسم العجرش
لم تتبلور بصورة واضحة قضية تقاسم الأدوار بين الساسة وبشكل أدق محترفي السياسة، وبين أهل الرأي والفكر وصناعه..فمحترفي السياسة ولأن) الحنفية بيدهم (يعتقدون أنهم هم أهل الرأي والفكر. وأهل الرأي والفكر لأنهم يمتلكون أدوات صناعة الرأي يرون أنهم صناع السياسة ومفاتيح مغاليقها.. وهكذا نشأت لدينا مشكلة جديدة تضاف الى قائمة مشكلاتنا التي لا تنتهي...إنها مشكلة صراع أهل السياسة وأهل الفكر، وإن شئت قل مشكلة محاولة تسلط الساسة على أهل الفكر لتوظيف عقولهم لخدمة مراميهم، فيما ينظر أهل الفكر الى الساسة نظرة على أنهم لا يتوفرون على الحد الأدنى من ثقافة تؤهلهم للتصدي للشأن الذي يخوضون فيه..! .
والواقع أن المشكلة أبعد من هذا الوصف.. فالصراع بين الساسة وبين أهل الرأي والفكر يبدو في الغالب صراعا حول المواقع والمكانة والأمتيازات..وبكلمة أوضح صراع على السلطة والنفوذ ..وهو ما يعني غيابا تاما للتكامل أو كحد أدنى للتنسيق بين محترفي السياسة وبين صناع الرأي وحملة الفكر الذي تقوم عليه السياسة...ولعل من أهم أسباب إرتباك الحال عندنا هو عدم إصغاء الساسة لآراء المفكرين من جهة، ومن جهة أخرى إزدراء وتعالي أهل الفكر والرأي على أهل السياسة..! والمحصلة غاب التكامل بين الفكر والسياسة عن مشهدنا المعاصر غيابا شبه مطلق..نعم هناك خطاب فكري يدعيه معظم الساسة، لكنه خطاب لا يتعدى الأفواه والآذان..يدخل من هذه الأذن ليخرج من هذه الأذن فقط، ولا يجد صداه على الأرض.
لقد إنفصل الفكر عن التطبيق بشكل شبه مؤكد..وكلما أوغل السياسي بالعمل السياسي إبتعد عن مساحات الفكر الذي يدعي إعتناقه أو الإنمتاء أليه.. وبدلا من أن يدعم تصرفاته بقوالب فكرية رصينة تقيه الزلل وتصحح مساراته، فإن السياسي ينهمك بالمشاغبات الفردية أوالشللية أوالحزبية الضيقة أو بالمعارك البهلوانية والدينكوشيتية . وهذا يعود إلى احتقار السياسيين للثقافة والفكر والنظر إليهما كجزء من ديكور السياسة وكمسائل شكلية، الأمر الذي جعل من السياسة عندنا مجرد خبط عشواء وألاعيب وحيل وتصريحات "هوجاء" وإسفافات فارغة، وتسلط وتكريس للإنفراد بالرأي من قبل أفراد أوشلل تفتقد إلى أصوليات علم السياسة ومبادئه.
والأمر أشد خطورة مما وصفنا، إذ أن الساسة يسعون الى السلطة، والسلطة فقط، دون تحديد استراتيجيات السلطة ومفهومها وبالتالي الغايات منها، ودون مشروع محدد من أجل تجسيده على الأرض.. وهي ـ أي السلطة ـ في مفهوم السياسيين عندنا تختزل في قوالب شخصية في أغلب الأحيان، كما تتميز بالانفراد بالرأي وعدم إشراك المواطن في تشييد تصورات مشروع النهضة المنشودة، وفي إبعاد أهل الرأي والعلم من هذه العملية أيضا، خشية أن يكشف هؤلاء عورات جهل الساسة...لكنها عورات باتت مكشوفة دائما مثل عورات أناث المعز...