الفقر آفة ينبغي استئصالها قبل فوات الأوان
|
حسن الهاشمي
"كاد الفقر أن يكون كفرا"، و"عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الظالم شاهرا سيفه"، وأشباهها من الكلمات القصار لأمير المؤمنين علي عليه السلام، كافية بأن يطالب الفقراء والمعوزون وأهل الزمانة والبلوى حقوقهم من الحكام، لاسيما ونحن نعيش في دولة أكرم الله تعالى علينا بها من النعم الوافرة والخيرات المتنوعة.
الإسلام يحذر، كما يحذر العقلاء والمفكرون من أن وجود الفقراء والمعوزين الذين لا تتوافر لهم احتياجات حياتهم يفقد المجتمع أمنه واستقراره. يقول الإمام علي عليه السلام كذلك في مواضع أخرى من خطبه: "لا تلم إنسانًا يطلب قوته"، فمن لا يقدر على ذلك يكن مرشحا لأن تصدر منه الأخطاء والجرائم "فمن عدم قوته كثرت خطاياه"، والإمام هنا يعطي وصفا للحالة والنتائج المتوقعة، ولا يعني ذلك القبول والتشريع.
ومثلما قلنا إن الله تعالى قد أنعم علينا بنعم وافرة، المهم كيف نستغلها الإستغلال الأمثل كيما نقضي على الفقر والعوز، وكيما ننهض بوطننا عمرانيا وثقافيا واقتصاديا ونكون بمصاف الدول المتطورة والمتقدمة، ولا ينقصنا بذلك شيء، عندنا مقومات النجاح من عقول نيرة وأرض خصبة بالزراعة والمعادن والنفط وهمة عالية بحب الوطن وجنوح إزاء خدمة أبنائه، أما الأمر الذي نحن بحاجة إليه في الوقت الحاضر العزم والإرادة لمطاوعة تلك المقومات وتطبيقها على أرض الواقع تمهيدا لقطف الثمار وجني المحاصيل التي لو أغدقت علينا لأكلنا من فوق رؤوسنا ومن تحت أقدامنا وملأت الخيرات بنا الخافقين.
العزم والإرادة بحاجة إلى نكران الذات والتوغل بدون تكلف بالوطنية والدفاع عنها الدفاع المستميت وجعلها مقياسا في العمل والإنتاج والتطور، والوطنية معناها تقديم مصلحة الوطن على جميع المصالح الحزبية والإثنية والقومية والمذهبية، ولا بأس بهذه الأمور جميعا بشرط أن تكون في إطار الشخصنة لا التعميم، وإذا ما حفزنا بدواخلنا عنصر المواطنة فإن الدوافع الوطنية وليست الحزبية هي التي تحرك الكيانات السياسية دون سواها من دوافع ربما تتعارض ومصلحة البلد وربما تتقاطع مع شرائح من المجتمع حتى لو كانت أقلية، وقتئذ يعيش المواطن مهما يكن انتماؤه بخير وارف في أجواء مفعمة بالحرية والكرامة والسداد، حيث إن خيمة الوطنية تغطي الجميع دون استثناء خلافا للخيمات الأخرى.
فلو أخذنا قانون الضمان الاجتماعي والصحي بنظر الاعتبار، وهو من أبسط القوانين التي توفر الخدمة للمواطن من دون أن تلجأه الظروف إلى الاستجداء والعوز وذل السؤال من الآخرين، وهو يضمن توفير الحياة الحرة الكريمة ولو بأدنى مستوياتها لتشمل عوائل الأرامل والأيتام التي ليس لها معين والطاعنين في السن وأهل الزمانة والبلوى، وما سوى هذه الشرائح فإن الدولة الوطنية توفر لهم فرص العمل كل حسب اختصاصه وكل حسب علمه وموقعه وكفاءته، لذلك يعيش الجميع في اطمئنان بما يقضي على حالات الجريمة والفساد وكذلك يضخ في المجتمع أجواء الإبداع والتطور والبناء بخطى حثيثة وهمة عالية وطموح لا يعرف الكلل والملل.
وهذا ما نراه في الكثير من المجتمعات الغربية ويشمل حتى الكثير من أبناء الجاليات الإسلامية التي تعيش هناك، ونحن أسبق منهم في أعمال البر والإحسان لكثرة الأحاديث الواردة في هذا المجال والتي تحث المسلمين بالإسراع في عمل الخيرات وردم مطبات الفقر والعوز والحرمان وتحقيق التكافل والتكامل الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الإسلامي، ولكن الإسلام شيء والمسلمين شيء آخر، فمتى ما طبقت تعاليمه فإننا نفتخر بالنتائج المترتبة ولا نفتخر بالأسماء المجردة عن الأفعال، لأنها أسماء على غير مسمى بل هي مفرغة من أي محتوى.
والسؤال الذي يتلوى من بين الأسطر، كيف يكون الفقر كفرا؟! لأنه قد يلجأ الإنسان إلى السرقة والتطاول على الأموال العامة والخاصة وهذا هو ظلم وتعد على حقوق الآخرين وهو محرم في الشريعة، وللحيلولة دون وقوعه في المحذورات الشرعية حري بالمواطن المحروم أن يطالب بحقوقه، وحري بالمسؤول أن يوفر سبل العيش الهانئة لكافة شرائح المجتمع، تارة تكون المطالبة من الإنسان نفسه إذا توافرت عنده مقومات المطالبة القانونية والسياسية والاجتماعية، وأخرى تكون عن طريق منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق الإنسان وتأخذ بحقه من مؤسسات الدولة المختلفة.
إن من أهم جذور الإجرام البطالة والفقر، قد يتحمل الإنسان الفقر في بلد فقير، ولكن إذا كان البلد ثريا وهو يرى هدر الأموال والثروات على طبقات حزبية أو فئوية او أثنية معينة، في حين يرى نفسه بلا مسكن وبلا عمل وبلا خدمات وبلا ضمان صحي، عندها تصبح أبواب الإجرام مفتحة أمامه على مصاريعها.وليعلم كل مسؤول وطني شريف يريد الخير لبلده ومواطنيه إن لكل إنسان في هذه الحياة حاجات ومستلزمات يسيّر بها أموره، وكلما سهل عليه تلبية هذه الحاجات كان أقرب إلى الاستقامة، وإذا صعب عليه تلبية حاجاته الضرورية فإنه يكون أقرب للانحراف لأن حاجاته قد تدفعه لسلوك سيئ لتوفير متطلبات حياته. وليعلم المسؤول كذلك إن العراق ليس شاذا عن تلك القاعدة، بل إن مختلف الأنظمة والتشريعات تحاول أن تكفل للإنسان سبل الوصول إلى حاجاته في هذه الحياة، لعلمها بأن ذلك قد يحدو بالإنسان إلى السير في طرق الفساد، والأنظمة الراقية وعلى رأسها الإسلام بتشريعاتها وخصوصا في المجال الاقتصادي، تريد أن تؤمّن حاجات الناس وتوفر لكل إنسان ما يطلبه أو على الأقل الحد الأدنى منها، فهل من مدكر؟!.
|
|