في الذكرى السنوية للفاجعة ..
تفجير صهريج الغاز وسط مدينة المسيب ..مقاومة أم إرهاب ؟
|
علي حسن علوان الجنابي(*)
مرت علينا مؤخرا الذكرى السنوية السادسة لفاجعة تفجير صهريج الغاز وسط مدينة المسيب , والتي حدثت مساء السبت المصادف 16/7/2005م , فاودت بحياة العشرات من الضحايا وأصابت عشرات أخرين بأصابات بليغة من جروح شديدة وعاهات مستديمة , بل أن بعض الشهداء لم يعثرعلى ادنى أثر لهم من جراء شدة المواد المتفجرة الموضوعة في ذلك الصهريج , ونود في هذه الذكرى الاليمة للفاجعة المشينة أن نتحدث عنها , بعد أن أغمض الأعلام الداخلي والخارجي عينه عنها , بل وضعها البعض في خانة (المقاومة الوطنية) ؟!.
بعد الأعلان عن تلك الجريمة مباشرةً أعلن (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) الارهابي، مسؤليته عنها وعدّها من (بطولات المقاومة) التي يفتخر بها ويعتز بمنفذيها , ولو رجعنا الى القرآن الكريم الذي تؤمن به جميع الفرق الاسلامية بشتى مذاهبها وتقدسه , لوجدنا عدداً من آيات الجهاد التي تخالف ما ذهبوا اليه وتوهموا انه الجهاد , فقد جاء قوله تعالى في سورة الحج [ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ]، وهي أول آية نزلت للأذن بالقتال وكما سيتضح فان الاذن في هذه آلأية هو الدفاع عن النفس وليس للهجوم , لانه مرتبط ببيان سبب الأذن بالقتال وهو الظلم والأخراج من الديار عقوبة على الأيمان بالله تعالى، فقال تعالى في سورة الحج [ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ] , وهناك آيات تحرض على القتال والجهاد بالمال والنفس بعد توفر الموجبات والأسباب كما بينتها سورة الأنفال، قال تعالى[ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ], وفي سورة التوبة قال تعالى ] انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [, ومن جميع الآيات التي تحرض على القتال في القرآن الكريم يظهر لنا جليا ان الامر بالقتال هو امر دفاعي، وهو ضد القتال، قال تعالى]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ[، لذلك فان المسالم الذي لايقاتل المسلمين ليس مقصودا بالقتال، واذا كان الامر هكذا وجئنا للاحتكام لايات القران الكريم، فهل يا ترى ينطبق مفهوم (الجهاد والمقاومة) على فاجعة تفجير صهريج الغاز وسط مدينة المسيب وقتل الابرياء من اهلها المسلمين المسالمين ؟؟؟
ثم اين اصحاب (الجهاد والمقاومة) هؤلاء من احاديث رسول الرحمة والانسانية (صلى الله عليه واله وسلم) ] من اعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب ايس من رحمة الله تعالى [وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) :] المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله[وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) : ]المسلم اخو المسلم لايظلمه ولايخذله [، ورغم كل ذلك نشاهد يوميا العشرات من جرائم القتل والخطف والتسليب والنهب والتهجير، وهي نماذج من عمليات مسيئة للاسلام والمسلمين، وتتطلب التحرك السريع والجاد من قبل المعنيين والمواطنين عامة لمحاربتها ووقفها والتخلص من ثقافة العنف والقتل والخطف والتشريد .
لقد انتشر اليوم الاسلام في كل بقاع الارض ويقيم المسلمون في مختلف دول العالم ولهم فيها العديد من المساجد والمؤسسات العلمية والثقافية والفكرية في دول قد لاتتفق سياساتها مع توجهات المسلمين، فلماذا يعمل هؤلاء المدعون للاسلام على تخريب ما انجزه المسلمون الحقيقيون وتشويه صورتهم لدى الشعوب الاخرى، حتى اختلطت لديهم كلمة (مسلم) بصبغة (مجرم) ، وقد وصفنا الله سبحانه وتعالى ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ[) ، كلنا مسؤولون اليوم عما يجري، علينا ان نعلن موقفنا بصراحة ووضوح ودون خجل او خوف، ونقول لهؤلاء التكفيريين بان الله سبحانه وتعالى قد حرر الدين من الكراهية واوجب على المسلمين الحرية الكاملة في اختيار السبيل الذي ينشدونه في الحياة الدنيا، وذكر ذلك في ايات عديدة، ففي سورة الكهف قال تعالى] وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا[وليتمعن هؤلاء القوم في هذه الرحمة الالهية التي تتحدث بصراحة عن الكفر والايمان وارتباطهما بارادة الانسان واختياره فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، دون عقاب او توبيخ او تحقير او اهانة دنيوية، بل تقتصر على الاشارة الى الاستحقاق الاخروي للظالمين المعاندين، و في سورة اخرى قال تعالى ] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ[ . ويحدد لنا القران الكريم كيفية دعوة النبي الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) للاخرين الى الانضمام في الدين فيصفه بانه (مذكر) كما في قوله تعالى ]فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ[، وهو (صلى الله عليه واله وسلم) بشير ونذير وشاهد كما في قوله تعالى ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [، ورحمة للعالمين كما في قوله تعالى ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [، وما عليه سوى الابلاغ كما في قوله تعالى ] مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [، وليس بجبار كما في قوله تعالى ] وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيد [، وليس حفيظا كما في قوله تعالى ] فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا البَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُور[، وليس بمسيطر كما في قوله تعالى ] لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ [، بعد كل هذا يظهر للعيان جليا وظيفة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في ابلاغ الحق والتذكير بالبينات والهدى والشهادة والتبشير بالنعم والانذار بالخسران، فكيف يفوض غيره من الجهلة الذين سلقوا العلوم الدينية سلقا ومكثوا في المدارس الدينية سنوات بعدد اصابع اليد الواحدة وحاولوا من خلال مرورهم بها مرور الكرام لياخذوا منها طعم الشريعة او لونها او رائحتها ليتحركوا في المجتمع ويسوغ لهم الافتاء بالتكفير والذبح ؟؟؟
وبعد كل مابيناه دون اطناب ممل او ايجاز مخل، فقد اصبح واضحا وضوح الشمس في رائعة النهار، ان تفجير صهريج الغاز وسط مدينة المسيب لم يكن عملا جهاديا او مقاوما للاحتلال، بل كان عملا ارهابيا جبانا الحق العار بالذين خططوا له واسهموا فيه ونفذوه في الحياة الدنيا، اما في الاخرة فلهم جهنم وبئس المصير، والرحمة لشهدائنا الابرار ولهم الجنان الوارفة وللجرحى والمعاقين الشفاء والعافية .
(*) باحث وكاتب
|
|