الطفل المعاق وحاجاته النفسية
|
*عبد الكريم العامري
في الوقت الذي أصبحت ظاهرة العوق منتشرة في المجتمع العراقي نتيجة ظروف الحرب، سوء التغذية، فساد الأدوية، الولادات المشوهة.. فإن اهمالهم وتردي رعايتهم هو اقسى من انتشار هذه الظاهرة، ولتجنب اهمالهم والأخذ بعين الاعتبار رعايتهم، يتوجب علينا معرفة احتياجات الطفل المعاق وكيفية المعاملة معه وهي نفس الحاجات النفسية التي للطفل العادي، لكي ينمو بشخصية سوية ويكون محبوبا، مرغوبا فيه، وكل ذلك يحتاج الى مساندة قوية، وتشجيع من جميع أفراد الأسرة، الأمر الذي يساعده على التقدم السريع، لكن السؤال عن كيفية توفير الرعاية النفسية للطفل المعاق خاصة المتخلف عقليا؟
وفي مقدمة حالات العوق لدى الأطفال، هو العوق الذهني الذي تلتقي عنده عدة اختصاصات علمية، إذن فهي حالة معقدة تتطلب قدراً كبيراً من الخدمات الطبية، والاجتماعية والتكنولوجية، التعليمية، فهو مشكلة اجتماعية نفسية وعقلية، أطلق عليها المختصون مصطلحات عديدة منها (الضعف العقلي)، (النقص العقلي)، (التخلف الذهني)، (التخلف العقلي) ويعرف التخلف العقلي: بأنه حالة نقص أو تأخر أو تخلف أو عدم اكتمال النمو العقلي، يولد بها الفرد أو تحدث في سن مبكرة نتيجة لعوامل وراثية، مرضية، بيئية تؤثر على الجهاز العصبي، تؤدي الى نقص الذكاء، تلاحظ قدرة الفرد دون المتوسط، كما إن الأطفال المصابين بالعوق العقلي يتفاوتون في النمو تماما كما يتفاوت الأطفال الطبيعيون، لكنهم دائما متخلفون عمن هم في مثل سنهم من الأطفال الآخرين، وإن دور الآباء والأمهات، والقائمين برعاية هؤلاء هو اكتشاف أين تكمن نواحي القوة عند الطفل، فيتبع ذلك إعطاؤه التدريب السليم كي ننمي هذه القوة بدلا من أن نتركه في صراع أوالسير في طريق مسدود لا يكون قادرا عليه مع جماعة من الأطفال أكثر منه ذكاء، وإلا فإن ظاهرة عجزه ستكون أكثر خطورة مما هو عليه في الواقع.
من أهم الواجبات أن يعطى تجارب من أجل النجاح وليس من أجل الفشل، تجارب تمنحه الثقة في نفسه، في مقدرته على أداء الكثير من الأمور.
إن الطفل المعاق عقليا يحتاج الى الإحساس بالأمان، إنه ينتمي الى الآخرين، أن تكون له علاقات طيبة فيما أن تستوفي هذه الحاجات، يصبح الطفل ملما بالعالم المحيط به حتى تظهر في الطفل معرفته عمن يكون هو، بما هو قادر على أدائه، كما يجب ان تؤخذ معاملته بعين الاعتبار فلا نتعامل مع المعوقين على اساس الشفقة، بل التعامل معهم بشكل طبيعي على اساس احترام ذواتهم، لأن التعامل معهم بشفقة قد يعطيهم مردوداً سلبياً، بأن يشعرهم بنقصهم العضوي وهذا يؤدي الى شعورهم بالدونية من الآخرين والذي يعمل شرخاً في نفسيتهم وشخصيتهم، ويؤدي الى مالا يحمد عقباه، ولذلك ينبغي ان نتعرف على اهم احتياجاته الحيوية، وخاصة الاطفال منهم واخص بالذكر ذوي العوق العقلي، ومن اهم تلك الحاجات:
1ـ الحاجة الى الاستقلال:
يستطيع الطفل المعاق عقليا، القابل للتدريب أن يتعلم كيف يتصل بالآخرين، أن يساير الأسرة والمجتمع متمتعا بحقوق الملكية ومحترفا إياها، أن يكون غير معتمد على والديه في العناية بنفسه واتباع العادات الصحية، المحافظة على سلامة نفسه، أن يساعد في الأعمال المنزلية البسيطة.
2ـ الحاجة الى الإشراف:
يجب أن يدرك الآباء والمربون أن هذا الطفل لن يصل أبدا الى الاكتفاء الذاتي بحيث يتخذ قرارات هامة، أنه سيظل في حاجة الى الإشراف، الى قدر معين من الرعاية، الى المساندة المالية طوال الحياة.
3ـ الحاجة الى اللعب الحر:
لأنه يزود الطفل بوسيلة التعبير عن نفسه، يجب أن يراقب لعب الطفل المعاق عقليا بدقة للوصول الى معرفة مشكلاته الخاصة لإزالة التوتر عنه. كذلك إتاحة الفرصة للطفل بالتمتع بالنزهات في الحدائق العامة..لتساعده على أن يتعلم كيف يعيش المجتمع مع غيره من الناس من خلال مراقبته لكل ما يحيط به.
4ـ الحاجة الى الصحة الجيدة:
الطفل المعوق الذي يتمتع بصحة جيدة، الممتلئ حيوية ونشاط يستطيع أن يواجه المشكلات اليومية بسهولة، يستطيع أن يقاوم القلق، كما أنه سيتمكن من أداء الواجبات المطلوبة منه، فيشعر بقدرته، بثقته في نفسه، من ثم يشعر بالطمأنينة، الاستقرار، الهدوء النفسي، فالصحة الجسمية عامل مهم في توفير الصحة النفسية، لنجعله يشتري حاجات بنفسه منها (الآيس كريم) أو بعض اللعب.
5ـ الحاجة الى الجو الأسري المستقر:
الجو العائلي الهانئ الذي تسوده روح المحبة، التفاهم، التعاون بين جميع الأفراد يعطي الطفل شعورا بالأمن والثقة بالنفس، تحميه من القلق وتوقع الخطر.
العلاقة بين الوالدين تكون على وفاق، مبنية على الاحترام، التعاون على مشكلات الحياة حتى يتمكن من مساعدة ابنهما المعوق على النمو في جو هادئ بعيدا عن الصراعات الانفعالية التي تضيف عبئا انفعاليا ونفسيا على الطفل المعوق.
كما أن تدعيم الروابط الأسرية سوف يضيف قوة، وقدرة للأسرة ككل على تحمل أعباء الطفل المعوق، لذلك ينبغي على الوالدين إتاحة الفرصة للاهتمام بالأطفال لأنهم يشعرون بحاجتهم الى ذلك، مع توفير الوقت للمرح معهم. ذلك لكي ينمو الشعور بالراحة والاطمئنان في نفوسهم، بذلك لا تظهر علامات الغيرة على الأخوة، فتزداد محبتهم للأخ المعوق، يحاولون مساعدته، يشاركونه في ألعابهم في حدود قدراته، هذا الأمر يزداد قوة بتشجيع من الوالدين على ذلك الأمر الذي يساعد الطفل على النمو النفسي، الاجتماعي، الجسمي بصورة سليمة.
6ـ الحاجة الى الاختلاط بالمجتمع:
إنه يساعد الطفل المعوق على النمو الاجتماعي السليم، التعاون يشعره أنه ينتمي الى مجموعة كبيرة تحميه، هذا يخلق جوا من الحب، المشاركة، عدم الغيرة بينه وبين الأطفال الآخرين. الناس كذلك يتعودون عليه، لا أن يسخروا منه، حيث يطلقون عليهم استخفافا(رعاية).
7ـ الحاجة الى حب الوالدين:
الحب للطفل المعوق كالحب للطفل العادي فهو الغذاء النفسي الذي تنمو عليه شخصيته. الحب الواعي المستنير الذي يقتضي إحاطة الطفل المعوق بجو من الدفء من الوالدين تجاه الطفل أي حنانهما واقبالهما بإعطائه من أنفسهما بسخاء. إن ذلك جدير بأن يملأ نفسه ثقة بهما، من ثمة ثقته بنفسه واطمئنانا الى العالم حوله..هو بأشد الحاجة الى هذه الثقة لكي يستمر في تقدمه في الحياة،
اذا تذوق المعوق هذا الحب المستنير الواعي من الوالدين مع فهم قدراته، حدوده، حاجاته، فإنه في ظل هذا الحب سينمو آمنا مطمئنا، بذلك يزداد شعوره بالثقة، تنمو معه الطمأنينة حتى يكبر ليكون إنسانا متزنا هادئا واثقا من نفسه.
*باحث اجتماعي
|
|