قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

صناعة الأزمات .. الحرفة الرائجة في العراق
زاهر فليح حسن
لايخفى على أحد مقدار تأثير الأزمات السياسية ،التي يصطنعها بعض الساسة بشتى الوسائل وعلى مختلف المستويات، في الحالة الأقتصادية والوضع الاجتماعي العام. والعراق ابتلي بأنواع من السياسيين من صنّاع الأزمات السياسية وكأنهم أصبحوا ذوي حرفة، وهم قادرون بفعل تصريحاتهم التي تستهدف كتلة معينة أو شخص آخر على خلق تلك الأزمات متناسين الانعكاسات السلبية التي تنشئ عنها.
أن الاتهامات المتبادلة التي يبدأها المتحدثون الاعلاميون للكتل السياسية (الفائزة) في انتخابات السابع من آذار، والتي تبتعد في مجملها عن أرفع الخلق السياسي الحديث في التعامل مع الآخرين، ماهي إلا النواة الخبيثة لأبتداع شكل وفحوى الأزمة الأولى والتي إذا ما لم يتم تداركها ستدخل شكلاً متطوراً يضع البلد على حافة الإنهيار السياسي على الرغم من إمتلاك تلك الكتل للعديد من الخيارات السياسية التي من الممكن اتخاذها بدلاً من خلق الأزمات المتلاحقة التي ما برحت تلقي بظلالها على الوضع الأمني والسياسي للبلد، ومن أهم تلك الأزمات هي تدويل أزمة تشكيل الحكومة العراقية.
إن موضوع تدويل أزمة تشكيل الحكومة العراقية يفتح المجال أمام التدخلات الخارجية السلبية في مسألة تشكيلها، وكيف سيتم تشكيل الحكومة إذا كنا غير قادرين منذ البداية على طرح التفاهمات اللازمة فيما بيننا لإقامة تلك الحكومة؟ ولو فرضنا أنه قد جرى تدويل الأزمة وشكلت الحكومة فمن الذي سيعمل على ديمومة العمل في تلك الحكومة لأربع سنوات؟ لأنكم حينها ستكونون غير قادرين على استصدار قرار واحد دون الرجوع الى الجهات التي أسهمت في تشكيل حكومتكم عند ذلك ستكونون قد ضحيتم بوطنيتكم التي من المفترض أنها من ستجعلكم تعتلون سدة السلطة في البلد.
علينا أن نبحث عن التركيبة الوطنية المناسبة لتشكيل الحكومة، وانتم جميعكم وطنيون ... تلك التركيبة السياسية التي تضمن حقوق جميع أبناء الشعب العراقي وتخدم تطلعاتهم. علينا أن نبدأ وبسرعة بتحديد أساليب الحوار المناسبة فأنتم جميعكم على حق وآراؤكم جميعاَ هي صحيحة بالمنظور السياسي العام ولكن الخلل يكمن في أساليب تطبيق برامجكم السياسية لكونكم قد أحكمتموها في قبضة الاحتكار السياسي المتعصب للسلطة والذي أبطل قدرتكم على استيعاب مختلف الآراء والرؤى، والاعتراف بأن الاختلاف فيما بينكم حق أن عليكم إدارته على النحو الذي يحوله إلى قوة فعالة في الأزمات السياسية الوطنية التي جابهتكم وستجابهكم مستقبلاً.
أن الهروب الى الخارج على أمل أن يتم استدراج الأزمة للحل النهائي من أكبر الأخطاء التي يرتكبها السياسيون كونهم يفتعلون أزمة جديدة قد تكون أكثر تأثيرا وفتكاً، فالعراقيون لم يستشرهم أحد في تشكيل حكوماتهم بل أن لكل غيرنا بيته السياسي الخاص إلا بيتنا الذي أنتهك الأخرون حرمته بأبشع الطرق، ناهيك عن كوننا سنذهب بذلك هيبة الدولة ورصانة الحكومة التي سنبنيها، فما من دولة بنيت بأياد خارجية وإلا وأبقتها تلك الأياد رهينتها تعصف بها الأزمات من جهاتها الأربعة !
إن الأزمات السياسية المصطنعة والمتلاحقة في الوسط السياسي قد تقودنا وبشكل دراماتيكي الى أزمة جديدة تعصف بما تحقق من إنجازات، على الرغم من كونها خجولة جداً، على الصعيد الأقتصادي والسياسي والنفسي الاجتماعي للبلد ... وبتعبير آخر علينا تدارك مانحن فيه من خيارات عقيمة إزاء المناصب الحكومية ونستدرج خياراتنا لوضعها في خانة التنازل الأبيّ المشرّف خدمة لشعبنا.