مهرجان الجواهري في الميزان
|
*محمد طاهر
لعل نظرة سريعة على الآلية المعتمدة في مهرجان الجواهري الذي أقيم مؤخرا في بغداد، تنتهي بنا الى تحديد مجموعة من الظواهر السلبية في الشعراء المشاركين أولا، ثم مرشحيهم والقائمين على المهرجان ثانيا، أدت الى عدم إخراجه بالشكل المطلوب وبما يتناسب ومكانة الجواهري، فهذا المهرجان الذي حمل اسم اكبر رمز أدبي عرفته الساحة الأدبية العراقية خلال قرن كامل، نرى من كنا نرجو منهم مواصلة هذا العطاء الثر من القائمين على المهرجان من الأدباء انهم كانوا سبباً مهماً في هذا الاخفاق.
فمما لاشك فيه ان اي مهرجان يقام بإسم أي علم من الاعلام يحب ان تكون في المشاركين سمة مشتركة مع صاحب المهرجان ولكننا في مهرجان الجواهري اذا استثنينا الصفة الرسمية للمشارك والتي هي بطاقة (العضوية) في إتحاد الأدباء والتي يتبجّح بها الكثير من المتشاعرين فإنا لانجد أية سمة مشتركة بينه وبين صاحب المهرجان سوى استثناءات قليلة جدا لا تكفي لاعطاء المهرجان طابعا جواهريا فالجواهري الذي اقترن اسمه بتاريخ العراق السياسي والاجتماعي الحديث والذي لُقّب (بشاعر العرب الأكبر) و(رب الشعر) وقال بعضهم عنه انه (شاعر عباسي أخطأه الزمن) كان صاحب مدرسة شعرية خاصة عرفت بالتزامها العروض الخليلية إضافة الى اعتمادها على المخزون الثقافي وصهره جديدا في نسخ القصيدة الى كثير من الخصائص التي تميّز بها شعر الجواهري، فينبغي على القائمين على المهرجان الذي يقام باسمه ان يراعوا هذه الخصائص له وتوفّر هذا الطابع الشعري في المشاركين، وهم يعلمون قبل غيرهم من المتابعين للشأن الثقافي ان ترشيح الاسماء المشاركة في المهرجان لا يتم وفق المؤهلات ولا بالشكل الدوري وإنما تدخل العلاقات الشخصية كعامل مهم في الترشيح كما يجنح الشاعر في أنانيته المفرطة للولوج الى المهرجان، حتى وان كان لا يعرف عن صاحبه سوى اسمه، ويأتي دور القائمين على المهرجان لإكمال هذه السلسلة المتعاقبة على الاسفاف به فهم لا يهمهم سوى تلقي الاسماء والموافقة عليها بغض النظر عن قدرتها الشعرية ورغم المبررات التي قدّمها بعض القائمين فإنها لا تبرّىء ساحتهم كالشاعر عمر السراي الذي صرّح من خلال قناة (الحرة عراق) (بأن المرشحين للقراءة في المهرجان يحملون صفة (العضوية) وكأن هذه العضوية هي جواز تكاملهم الشعري فإنه يعلم قبل غيره ان الكثير من الشعراء (الاعضاء) يزاول بهذه العضوية علاقاته الشخصية ومن يكسب من خلالها شرعية لكتاباته ولان السراي يعرف كل ذلك فقد قال: (وعليهم ان يتساقطوا)!! إذن فليتساقطوا!! كأن هذا المهرجان قد أعد لكي يتساقطوا!! فليتساقطوا في مكان آخر فهل أصبح مهرجان الجواهري مسرحاً للاختبار؟
هذا يذكرني بالحفل الذي دعينا اليه في ذكرى أربعينية عميد المنبر الحسيني الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله وكان ذلك عام 2003 والذي أقيم على قاعة مركز الصادق الثقافي في كربلاء المقدسة حينها وكنا نأمل ان الحفل سيكون بمستوى المناسبة وبالشكل الذي يناسب مكانة الدكتور الوائلي فتهيأنا لذلك الحفل ولكن ما جرى كان خلاف التوقعات فبعد قراءة كلمة (سيرة المرحوم اعتلى المنصة (أحدهم) ـ اي الحاضرين ـ ليتكلّم ـ وبإسهاب ـ عن التجاوزات المرورية والنظافة والنظام!! قد يعطيني (أحدهم) ـ اي أحد القراء ـ مبررا لذلك وهو ان الناس كانوا يعيشون الأيام الأولى لسقوط النظام البائد وهم بطبيعة الحال بحاجة الى الارشاد والتوجيه وهو وان كان مبررا غير كاف ولكن لا يمكن ان نقارن بين ظروف ذلك الحفل وهذا المهرجان.
سمعت من بعض المغتربين انه جلس في مقهى في فرنسا فلاحظ ان هناك طاولة وحولها ثلاثة كراسي ولكن لا أحد يجرؤ على الجلوس عليها ولاحظ صاحبنا (المغترب) أيضا ان النادل يأتي كل يوم ليزيل عنها الغبار والأتربة ويوقد شمعة فسأل عنها فقيل له انها الطاولة التي كان يجلس عليها فيكتور هيجو فإذا كان صاحب المقهى والنادل وهما بلاشك ليس لهما علاقة بالأدب يتعاملان بهذا الاحترام والتبجيل مع ذكرى رمز من رموز بلدهما فكيف بالمعنيين بشؤو الأدب والثقافة فرغم ان التيارات الأدبية الحديثة والحركات التجديدية كلها انطلقت من فرنسا إلا انها تعتز بتراثها وأدبائها الراحلين الذين لولاهم لما تواصلت مسيرتها الثقافية ولا أخال ان أديبا فرنسيا ينتمي الى هذه التيارات الحديثة يفكر حتى في التطاول على هيجو ولا على غيره من معاصريه الأدباء، بينما تجد بعض أصحاب (العضوية) ممن يقتات من موائد هذه التيارات ليغذي بها (نصوصه) الهزيلة التي هي نسخ مشوّهة عنها، ويتطاول على الجواهري.
وهذا الموضوع يشطّ بنا عن موضوعنا ولسنا بصدده الآن ولكن أردنا ان ننوّه الى الاهتمام الذي يجب ان نولّيه في الاحتفاء برموزنا الأدبية واعطائها حقها من التقدير والاحترام ان فشل هذا المهرجان لا يعد استهانة بالجواهري فقط بل الحط من الأدب ولكن هذا لا يهم أحد المرشحين او القائمين فلو أراد أحدهم ان يشتري أثاثاً لبيته لتأنى كثيراً قبل ان يستقر على نوع معين ولكنه لا يهتم اذا كان الشاعر الذي رشّحه مؤهلاً لمهرجان كهذا ام لا ان على الذين يُناط بهم ترشيح الأسماء المشاركة ان لا يرتكزوا على العلاقات الشخصية كما على القائمين على المهرجان ان لا يعتمدوا على (العضوية) التي حملها الكثير ممن لا يستحقها ولكن بتشكيل لجنة محايدة ذات كفاءة من قبل الاتحاد المركزي واستقبال القصائد من كل الشعراء الذين يرغبون بالمشاركة في المهرجان واختيار أفضل القصائد منها وترشيحها مع مراعاة الشكل الدوري للأسماء لكي لا تتكرر الأسماء في المشاركة وهذا ليس عسيرا ولا يحتاج الى امكانيات مادية. لكي يتناسب ما يقرأ مع روح المهرجان وحتى يكونوا هم مطمئنين أيضا لما يقرأ.
|
|