قلل توقعاتك واستثمر الواقع الراهن
|
*عبد الكريم العامري/ باحث اجتماعي
المشكلات كثيرة، لكن عليك أن تعرف بأن هناك خطوات ناجحة تمنحك الثقة، توصلك للوقاية أو العلاج. عليك أن تعرف؛ إن لكل علة تحت الشمس ربما يكون لها علاج أو لا يكون. فإن كان الاحتمال الأول حاول ايجاد العلاج، وإن تعذر العلاج فلا تهتم به. ثم قل لنفسك: ما لا يمكن علاجه ينبغي احتماله، قم بواجبك ودع الأمور تجري.
الخطوات الأكثر مساعدة لمواجهة المشكلات هي: دون المشكلة على ورقة، انظر إليها كأنما هي مطروحة عليك من شخص آخر وأنت تبدي رأيك الحكيم فيها. ثم اسأل نفسك:
1ـ ما هو أسوأ ما يمكن أن يحصل إذا لم أستطع حل مشكلتي ؟
2ـ أتقبل الوضع؟
3ـ روض نفسك على تقبل الاحتمال الأسوأ، ثم حسنّه.
4ـ أصبح واجبك الأول والأخير أن لا تنظر إلى ما يقع بعيدا في الظلام، بل إلى ما هو قريب و واضح.
من المشكلات التي تحفر أخدودا في حياتنا اليومية على سبيل المثال (التوقّع) أو قراءة المستقبل. إن عبء الغد الذي يضاف إلى الأمس، الذي نتحمله اليوم، سيؤدي بك إلى الانهيار، مثل برج التجارة العالمي!! لذلك لا تجعل لنفسك (غداً) بل فقط (اليوم). مع الاخذ بعين الاعتبار والحساب المستقبل الذي تتطلع من خلاله الواقع الذي تعيشه وقدراتك وظروفك. وكم هو حكيم ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام، وكل كلامه حكم ودروس: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا). وكما يقال: فان رغيف الخبز الحاضر أمامك هو الوحيد الذي تتمكن من أكله.
ان العديد من مستشفيات العالم تغصّ بمرضى الحالات النفسية المتنوعة، وذلك بسبب التوقعات الخاطئة. فهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال في المستشفيات، العيادات الخاصة، المشعوذين، الفضائيات.. إلى حد الهوس، دون أن يجدوا ما يخلصهم من الكآبة والشعور بالهزيمة والدونية أمام الآخرين، والمشكلة تتلخص في عدة اسباب:
1ـ انهم ينظرون إلى الغد قبل اليوم.
2ـ ثم يبدأ التوجيه الخاطئ للخيال.
3ـ بعدها يتم اتخاذ القرار قبل المعرفة.
وهذا أغلى خطأ تبقى تسدد تكاليفه من عقلك وأعصابك ومالك. كن مثل القاضي لا يتخذ القرار قبل أن:
أ ـ يجمع المعلومات.
ب ـ مواجهة الشاكي والمشتكى عليه.
جـ ـ الإستماع الى الشهود.
ان المشكلة المدونة بهذا الشكل و بوضوح هي في منتصف الطريق إلى الحل. إقترح على نفسك ما هي الحلول ثم ابدأ بتنفيذ أهما؟
من الناس من يجعل نفسه محصورا داخل ملزمة أو كتاب ...كلا، عليك أن توجد عادات وتقاليد جديدة، هشّم السابقة، اشغل وقتك حتى تنهار الأعصاب، يسترخي الجسد لتصبح في مأمن من الافكار الخاطئة الموجودة في المساحات الفارغة في ذهنك حيث تسبح وتتضخم.. بحيث يعمل عقلك كالمحرك الذي يدور من دون حمولة أو مسير، فهو يحرق محتوياته وأجزاءه.
عندما يشعر الإنسان بالإرهاق الشديد ينام وسط الملحمة، رغم الرعب ومخاطر الحرب. لذا اشغل نفسك لكي لا يتاح لك وقت لرفاهية التفكير وتظل تتقاذفك الافكار والاحتمالات، وربما تضرب بك بصخرة تسبب لك الأذى الكثير. وربما تكون أقوى الخطوات في خطوة واحدة، (القبول بما حدث أو سيحدث). وهي الخطوة الكبيرة تجاه مغادرة المشكلة والتغلب على نتائجها. ان الظروف وحدها لا تجعلنا سعداء أو تعساء بل طريقة تفاعلنا معها، تحدد مشاعرنا، بدليل لا توجد بقرة على سطح الأرض مصابة بالصرع أو الكآبة لاحتراق المرعى أو قلة الماء أو تغار من مالكها الذي يهتم بغيرها.
هل تنحني أمام كل العثرات ؟ كلا، طالما هناك فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أوضاعنا، نظل نقاوم ونتحدى. لكن عندما يخبرنا المنطق إننا نحارب شيئا لا يمكن تغييره، فلا تنظر إلى ما قبله وبعده بل ابحث عن شيء غير موجود.
ومن العواقب غير المحمودة التي تنتج مشكلات نفسية هي التفكير الزائد بما نفقده، وهو التراجيديات العظمى في مسرح حياتنا التي لم يسدل الستار عليها. انتهى كل أبطالها قبلك إلى الموت، حتى المخرج والمؤلف وبقي الجمهور، وأنت واحد منهم!
اننا نستطيع إبادة خمسين بالمائة 50% من مشكلاتنا من خلال مواجهتها، وعدم التخبط في رثاء الذات. بل إن إحدى الميزات الإنسانية المدهشة هي القدرة على الانتقال من الحالة السلبية الى الايجابية، لكن نفترض اننا تراجعنا وشعرنا بأن لا أمل لقدرتنا على أن نحول الوضع السلبي الى ايجابي، إلا أن هناك سببين للمحاولة يفتحان لنا المجال: فأما نكسب كل شيء، واما لا نكسب ولا نخسر شيء. إن مجرد المحاولة تدفعنا إلى الأمام بدلا من التوقف أو التراجع إلى الخلف.
هناك سؤال مهم، ما الذي يجب أن تبحث عنه في ذهن صاحب المشكلة ؟ الفقرة الأولى تجد كثافة الأشياء والمشكلات التي يجب إنجازها. يتوجب هنا تنفيذ الأشياء المهمة. ان مواجهة مشكلة واحدة في وقت واحد أفضل من التخبط، ستجد كمية العمل الذي تقوم به لا تتعبك بقدر كمية العمل الذي تؤجله.
تذكر ثم تذكر... لقد وقفت أمس، وتقف اليوم، إذن تستطيع الوقوف غداً. يجب أن تتعلم من جامعة الصدمات الكبرى فلسفة أن لا تستعير المتاعب من مكتبة القلق، لا تنتظر من الناس خيرا. ان مثلك الكثير، الكثير الآخر أنت أفضل منهم. تخلى عن فكرة تغيير العالم لغيرك، الوحيد الذي بحاجة إلى التغيير هو عدسة كاميرا عقلك، عليك أن تحمل الاثقال عن قدر حجمك ووزنك، متخذاً قول الإمام علي عليه السلام حكمتك: (الدهر يومان يوم لك ويوم عليك)، وقوله أيضاً: (الصبر صبران، صبر على ما تحب وصبر على ما تكره).
|
|