التفكك الأسري.. نهاية يمكن معالجة بداياتها
|
*سعد الشمري
التفكك الاسري وتصدع العلاقات الزوجية، تُعد نتيجة انفجارية مدوية تضرب باصدائها افراد الاسرة والمحيطين والقريبين من العائلة، لكن ما هي الاسباب ؟ او ما علينا فعله حتى لا نشهد حالات تفكك وتمزق يدفع ضريبته الاطفال وسط الصراخ والاشتباك بين الزوج وزوجته؟
مادام هنالك أسباب وعوامل تؤدي الى نتيجة، فان الاجراءات الوقائية من التفكك الأسري يجب ان نجدها ليس في فترة الزواج وبين الزوج والزوجة، إنما في فترة ما قبل الزواج، وتحديداً في فترة الاختيار، ومن أجل يشدد علينا الرسول الأكرم في المنهج الاجتماعي أن نفكر ألف مرة قبل ان نضع اصبع الاختيار على الفتاة التي نرغب الزواج منها... (إياكم وخضراء الدمن ...) و إياكم والزواج من مجنونة أومختلة عقلياً – مضمون الحديث- فان العرق دسّاس، كما ورد النهي عن الزواج بدافع الجمال والمال، طبعاً هذا ينحسب على الرجل كما هو موجه للمرأة والفتاة. وبعد تلكم القرون الخوالي نشهد اليوم ظهور الازمات والمشاكل الانفجارية المتمخضة عن نفس الاخطاء التي حذرنا منها نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله.
وهنا يجب ان نسأل الشاب المقبل على الزواج : لماذا تتزوج؟
انه سؤال محرج بعض الشيء، وربما البعض يعده سؤالاً غير جدير، لكنه بالحقيقة من شأنه أن يضمن سلامة البناء الأسري بعد الزواج، فهل هو هروب من العنوسة عند الفتيات ؟ أم هو هروب من غزو المشيب؟! أو هو مجرد لاخماد نار الغريزة الجنسية والذي يُعد اليوم من أهم الدوافع مع وجود عوامل الاثارة المتعددة والسهلة التداول، وهنالك الكثير من العوائل يتحدثون انهم يقدمون على تزويج ابنهم ليحصنوه من (الفساد)، كما لو ان الفتاة التي سيتزوجها الشاب ستكون مسؤوليتها منع زوجها من الوقوع في المحرم! وعندما تضيع الغاية الأساس من وراء الزواج، فان الشاب والفتاة وبعد أشهر معدودة من الزواج يجدون انهم يقفون امام طريق مسدود، اذ ليس من استمرارية للطريق الذي ساروا عليه، هنا تبدأ المشاحنات واختلاق الازمات والسلبيات، إذن، لابد من فرصة للطرفين للنظر فيما اذا كانا قادرين على تحقيق الغاية الأساس من الزواج معاً، وهو تشكيل أسرة ناجحة يسودها التفاهم والمحبة والاندماج، أم لا... فان كانت الحالة الاولى فخير، أما اذا كان النفي فيجب أن لا يغامر الشاب ويتعجل في المضي في مشروعه لأنه بذلك سيحمل معه معاول هدم حياته الجديدة.
أسباب التفكك الأسري
اننا ربما نفكر بالاجراءات الوقائية قبل الزواج للحؤول دون وقوع الشاب والفتاة في مستنقع المشاكل والازمات، لكننا أيضاً أمام ظاهرة قائمة في مجتمعنا لابد من تسليط الضوء عليها ومناقشة الاسباب والعوامل التي تقف وراء بروز هذه الظاهرة يمكن الاشارة الى بعضها:
1- الجهل بمفهوم الحقوق الزوجية، وعدم مراعاة تلك الحقوق من الاحترام والطاعة والثقة، وقد شرّع الاسلام حقوق و واجبات لكل من الزوج والزوجة، بحيث ان طُبقت عاشا بسعادة وهناء، والعكس بالعكس، لكن المشكلة ان شريحة لا بأس بها من مجتمعنا تجهل هذه النعمة العظيمة التي لا نجدها في الشرائع والأمم الأخرى.
2- قلة الثقافة الدينية لأحد او كلا الزوجين، وهو ما يؤدي قطعاً الى ظهور تناقضات وتقاطعات في السلوك والاخلاق و حتى في طريقة الكلام، فضلاً عن تطبيق منظومة الحقوق والواجبات. فالزوج ربما يطالب بشيء لا تتفهمه المرأة ولا تقبل به، وبالعكس ربما تطلب المرأة شيئاً يراه الرجل نوعاً من المعصية وما الى ذلك كثير.
3- قلّة ذات اليد ومحدودية الدخل، وهذا يتعلق حصراً بالرجل، ربما يكون هنالك رجل يكدّ ويعمل من الصباح الباكر وحتى حلكة الليل ليتمكن أن يسد نفقات زوجته وأسرته، وقد يواجه عجزاً في الدخل وفي الوارد، الامر الذي يضع المرأة امام خيارات صعبة، إما الصبر واما مواصلة الطلبات بحجة انها ضرورية ومهمة. لكن المشكلة تكون في الاصطدام مع الواقع الذي يعيشه الرجل القادم من السوق والشارع المليء بالازمات والاجراءات الامنية والبلدية والمشاحنات الاجتماعية.
4- التدخل غير المدروس وغير المنطقي للمحيطين والاقارب في المشكلة الزوجية، والذي غالباً ما (يزيد الطين بلّة) وبدلاً من ان يحل العقد وينهي المشاكل بين الزوجين ويعيدهما الى أجواء الحب والمسؤولية، يزيد من حالة النفرة والكراهية بل تتحول المشكلة الى حالة جبهوية بين عائلة الزوج وعائلة الزوجة.
أول نتائج هذه الحالة المرضية، هو تهرّب الزوج من البيت والخوض في عالمه الخاص الذي قد لا يكون خالياً من الانحرافات الاخلاقية، أما الزوجة في البيت فانها هي الاخرى ستتجه الى عالمها الخاص من خلال وسائل الاتصالات المتطورة من قبيل القنوات الفضائية والهاتف النقال والانترنت، كل ذلك بهدف ان يملأ كلا الجانبين الفراغ العاطفي الذي سببته القطيعة والكراهية، وبالنتيجة يكون معول الهدم لكيان الأسرة حاضراً ومستعداً لتقويضه وتدميره بالكامل.
الأطفال هم الضحية
ان فقدان الشعور بالاستقرار والهدوء داخل الاسرة ومشاهد العراك والشجار وربما احياناً تبادل الالفاظ النابية والقاسية بين الزوج والزوجة وغير ذلك كثير، من شأنه ان يضع الابناء على سكّة الشارع والهروب من البيت الذي يفتقد الدفء والحنان والمسؤولية. أما اذا لاحظ أحدهم مهما كان عمره، اقرانه الآخرين ينعمون بدفء العاطفة الاسرية و وجود ابويهم حولهم يهتمون بهم، فانه سيغمره شعور عارم بالنقص والدونية فيحاول تبعاً لذلك اكمال هذا النقص او التهرب منه وفي مرحلة أخيرة إن لم يجد و وجد نفسه امام اصابع الاتهام والتشنيع فانه يتحول الى عنصر منتقم ومدمر في المجتمع، سواء كان في المدرسة ام في المحلة أو السوق وأي مكان آخر.
وقد أكد الخبراء والباحثون ان معظم الحالات النفسية المضطربة والمختلة لدى الاطفال والمراهقين والشباب تعود الى الاوضاع الاسرية غير المستقرة لديهم.
اجراءات عملية للعلاج
نظراً للظروف الاقتصادية والسياسية والامنية السائدة في العراق وربما في بعض بلادنا التي تعيش اوضاع مشابهة الى حدٍ ما، فان انعكاسات كل ذلك تقع على الوضع الاجتماعي والكيان الأسري، الامر الذي يتطلب تضافر الجهود ووضع الخطط والاجراءات العملية لمواجهة هذه الظاهرة المرضية الخطيرة، فاذا كان عندنا المحيط العائلي حول بيت الزوجية، يجب ان تكون لدينا ايضاً مؤسسات وهيئات في اطار منظمات المجتمع المدني تأخذ على عاتقها مهمة التوعية والتثقيف بوسائلها المتنوعة واساليبها المؤثرة، ويمكن ان تتضمن برامج التوعية طرق اختيار الزوجة الصالحة وفق منهج أهل البيت عليهم السلام، وايضاً البحث في عوامل واسباب بروز الخلافات والنزاعات بين الزوجين حتى يتعرف الاثنان على المسارات الملغومة ولا يدخلوها، بل يسيرون على الطريق الصحيح في التعامل والمعاشرة وتبادل الافكار والحب، وهو ما يؤكد عليه الاسلام أيما تأكيد.
|
|