السياسي الصريح .. لا المنافق!
|
سالم مشكور
في ندوة حوارية جلس ما يقارب الثلاثين نائبا ينتمون الى "الكتل الفائزة" يطرحون أفكارهم ومواقف كتلهم من موضوع تشكيل الحكومة. إتجاه الحديث في مجمله كان واقعيا صريحا، ذهب بعضهم فيه الى تشخيص المشكلة والعقبات والهواجس المتبادلة والخيارات المتاحة امام السياسيين والكتل.
كنت أستمع الى الحديث وأتساءل في نفسي : لماذا لا يتحدث هؤلاء خلال ظهورهم المتكرر في الفضائيات بنفس هذه الشفافية والصراحة. فمن على الشاشات لا نرى من أغلبية السياسيين سوى الشعارات الرنانة والعبارات الفارغة من اي مضمون سوى التجهيل، بل يعرضون أحيانا عكس ما يفصحون عنه في الجلسات الحوارية التي يتحلّون خلالها بدرجة كبيرة من الود المتبادل.
اللافت أن احد المشاركين في تلك الندوة ممن وصلوا أخيرا الى البرلمان أبدى ارتياحه للصراحة والواقعية اللتين سادتا النقاش قائلا : "من الجيد ان يدور هذا الكلام الواقعي الصريح بعيدا عن الفضائيات " !؟. أمر غريب فعلا أن يبدي سياسي سروره لاخفاء الحقائق عن الناس .والأغرب من ذلك ان المتحدث قدّم نفسه كاعلامي أيضا !، فضلاً عن صفته السياسية، لكن كلامه هذا أسقط عنه صفة الاعلامي (الحقيقي على الاقل).
المؤسف ان غالبية السياسيين ما زالوا يتصورون ان الشعب لا علاقة له بما يجري أو أن عليه أن لا يعلم بحقائق الامور بل أن عليه فقط ان يلوك الشعارات التي يلقّمه إياها السياسيون عبر الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى..
يفوت على هؤلاء انهم يقومون، جهلا أو عمدا، بإبقاء الناس في جهل ووعي سطحي ومن ثم يخسرون تأييد الشارع الذي سيحملهم وزر كل ما يجري من تأخير وأخطاء وتقصير في أداء ابسط حقوق الناس. لا يعني الامور ان سياسيينا يخلون من التقصير لكن الواقع وتفاصيله وتشابك الامور الداخلية والخارجية يجعل الامر في العراق من التعقيد بحيث يحتاج الى جهود كبيرة وارادات صلبة للتغلب على معوقاته. هنا يلعب الدعم الشعبي، أو على الاقل التفهم الشعبي للحقائق، دورا كبيرا في مؤازرة السياسيين مباشرة أو بطريق غير مباشر.
إذا صارح المسؤول والسياسي الناس بالحقائق كسب ثقتهم، وإذا حجب عنهم الحقائق وتكلم بشعارات فارغة لقي سخطهم وإزدراءهم. وإذا ما علم الناس الحقائق قلت نقمتهم وتوقف سبابهم ولعنهم للسلطة ورجالها، وهي أسهل وسائل إعتراض وفّرتها الاطاحة بالدكتاتورية.
يخطىء البعض عندما يبتعد عن الواقعية والموضوعية في كلامه للاعلام مبررا ذلك بانه يريد التناغم مع الشارع، وهو في الحقيقة يريد كسب ود الشارع تحسبا للانتخابات المقبلة. لا يدري هؤلاء ان الشارع اليوم يمتلك العديد من مصادر المعلومات التي جعلته أكثر وعيا من ان يُستَغفل لمدة طويلة. وأمام السياسيين دور بليغ من دور القاعدة في العراق .فقد استطاعت ولفترة محدودة إيهام قطاعات اجتماعية بمخاوف وشعارات تضمن تحويل هذه الاوساط الى حاضنة لهذا التنظيم ونشاطاته، لكن الامر لم يدم طويلا وأنقلبت هذه الاوساط ذاتها ووقفت بوجه هذا التنظيم الاجرامي.
اذا كان السياسيون والمسؤولون يريدون فعلا السير بالبلاد نحو الديمقراطية فعليهم أولا التخلي عن عقلية الدهاليز و"غرف التآمر"، والعيش في وادٍ غير وادي الناس. فلم يعد الناس متلقين فقط كما كانوا طوال عقود، ولم تعد السلطة في العراق تتفرد وتقوم بكل شيء (حتى التفكير) نيابة عن الناس. فالناس يذهبون الى صناديق الاقتراع ليقرروا هم مصيرهم ومن حقهم ان يتعامل معهم السياسيون بشفافية وواقعية، على الاقل ليتحاشوا تأييدا شعبيا ناجما عن الجزع، لاية خطوة إنقلابية على النظام الجديد.
|
|