الزيارة.. التحفيز نحو الدين
|
السيد محمود الموسوي
إن زيارة الإمام الحسين(ع) ليست بديلاً عن الدين، وليست مصدر تبرير لتقصير المقصرين، إنما هي حافز للدخول في الدين، وهي تسهم في سد الفجوة بين إدّعاء الإنسان وواقعه، وبين قوله وأدائه، فمن خلال تواجد الزائر في حضرة الإمام الحسين (عليه السلام) في حرمه الطاهر وبقعته المشرفة، يتم اغتنام هذا الحال في التقرب إلى الله ونيل رضاه. فنصّ الزيارة التي يطلب من الزائر أن يرددها تؤكد هذه الحقيقة وتدفع بهذا الإتجاه، فهو يقول: "اللّهُمَّ إنّي بِكَ مُؤمِنٌ وَبِوَعْدِكَ مُوقِنٌ، اللّهُمَّ اكْتُبْ لي إيماناً وَثَبِّتْه في قَلْبي، اللّهُمَّ اجْعَلْ ما أقول بِلِساني حَقيقَتَهُ في قَلْبي وَشَريعَتَهُ في عَمَلي".وتذكّر نصوص الزيارة الزائر بأن الله مطلع على خفيات الأمور وبواطنها، فلكي يخشع قلبه ويدقّق في أفعاله ويستحي من ربه، يردّد في مقام زيارته: "الحمْدُ لله الواحِدِ المتوَحِّد في الاُمُورِ كُلِّها، خَلَق الخَلْقَ فَلَم يَغِبْ شَيءٌ مِنْ اُمُورِهِمْ عَنْ عِلْمِهِ فَعَلِمَهُ بِقُدرَتِهِ".وقد احتوت الزيارة في نصوصها على الكثير من الأدعية والمناجاة للتقرب إلى الله، والإستغفار، لتدفعه نحو التوبة النصوحة، وتشوّقه إلى التزام الجوارح ومراقبة النفس لكيلا تحيد عن النهج القويم والصراط المستقيم.
بهذا التوصيف، فإن التحفيز للزيارة يمثّل تحفيزاً نحو الدين، ليدخل الزائر أجواء الزيارة هذه فتأخذه بلطفها نحو صلاحه، كما وأن التوجيه لآداب الزيارة من جهة أخرى والتزام الزائرين بها، سيمثل إضافة إلى أجواء الزيارة ليزداد تحفيزها نحو صلاح الإنسان وهدايته، بما في ذلك الفعاليات والأنشطة التي تُحيا فيها الشعائر وأمر أهل البيت (عليهم السلام). ولأن المرقد المطهّر والذهاب لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تمثل هذه الأهمية من التحفيز، فإن من الضروري حثّ الناس على شد الرحال نحو المراقد المقدّسة، الدخول فيها، بمختلف مستوياتهم وفئاتهم ومذاهبهم، لكي ينهلوا من معينها العذب ويتأثرون بأثرها الذي تحدثه في النفوس من خلال هيبتها ومن خلال كلمات الزيارة ومن خلال بركاتها التي ينالها الزائرون، وهذا الأمر ينسحب على المذنبين العاصين والمقصرين، فلابد أن يلجأوا للمشاهد المشرفة، كما ينبغي حثهم عليها وإعطاؤهم جرعات من الأمل، لعل الله تعالى يحدث لهم في قلوبهم أمراً ببركة الإمام الحسين (عليه السلام).
وحكّام الجور قد أدركوا ما لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) من أثر كبير في تحفيز الناس على الدخول في الدين والتزوّد من أجوائه، فعمدوا إلى منع الناس من الاقتراب من الحرم المطهّر، وهدمه، والاعتداء على حرمته، كما فعل الأمويون وحذا حذوهم العباسيون، كهارون العباسي، حتى وصلت النوبة إلى المتوكل العباسي الذي بالغ في الإساءة إلى القبر الشريف وإلى زواره. "ولكن سنة الله في الحياة إعلاء راية الحق وإظهاره وإزهاق الباطل واندحاره، لذا ذهب الطغاة والحبابرة، (وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) وبقيت كربلاء حية نقية، مصدراً للإشعاع الديني والفكري، ومنبعاً للأخلاق والفضيلة والحركة.وبقيت كربلاء نبراساً للأحرار، وسراجاً للأمم والشعوب، ومدرسة لتربية العلماء والمبلغين وحملة الأقلام.. وكما قالت العقيلة زينب (عليها السلام) للإمام زين العابدين (عليه السلام): "وينصبون ـ الناس ـ لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلاّ علواً" .
|
|