إلى متى نُغزى في عقر الذات؟
|
الشيخ زكريا داوود
الحياة سجال دائم منذ بدء الخليقة والى اليوم المعلوم بين أهل الحق من المؤمنين ودعاة الإنسانية، وبين أهل الباطل وأعداء البشرية. والأمة الإسلامية ليست مستثناة من سنة السجال، بل يمكننا القول بأنها من أكثر الأمم تعرضاً له؛ حيث استأسدت عليها الأمم وتكالبت عليها الحروب وابتليت بالغزو والاحتلال والتمزيق. فلا زال الاستكبار الجاهلي ـ يعينه في ذلك وربما يبرر له تيار الاسلام الاموي ـ يكنّ الحقد ويسعى مستميتاً لضرب الإسلام وإلغائه مستخدماً جميع الطرق الممكنة، فبدأ بصنع الحكام التابعين له وخطط للغزو الفكري، فقام بتشكيل طبقة المثقفين العلمانيين الذين رفعوا شعار (الدين أفيون الشعوب) ولقد بذل الاستكبار جهده من أجل تلميع هذه الفئة بالأصباغ الملونة مستعيضاً بها عن غزوه العسكري.
بيد أن تلك الشلة لم تستطع أن تحسّن من وجه الاستكبار الكالح عند من بنى فكره على مبادئ الرسالة وقيم السماء واستمد مواقفه من الأنبياء وسيرة الأئمة النجباء(ع)، وإنما أثرت تلك الشلة على من اتبع هواه وباع آخرته بدنياه، فأخذوا يقلدون الغرب بكل محتواه معتمدين على إثارة الفتن وأكل لحوم البشر والإباحية والخلق الذميم وهتك أعراض المؤمنين واعتماد المغالطة في كل حين وإلهاء الأحداث بل والكبار بسفاسف الحياة. هنالك اختلطت الأوراق ولم يعد الناس يميزون الظالم من المظلوم ولا الشريف من الوضيع، وطفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وضُيّعت الهوية، وانعدمت الثقة، وتجاوز الغزو الدار وبلغ مقر الذات، فلم يبق للذات جوهر ولا مظهر، واستبدلت الأمة محتواها بالآخر، واستحوذ الآخر على الأنا، وأمسى الأنا آخر، مثله مثل الببغاء تردد كلمات سيدها دون فهم لمضامين الكلمات.
إن هذا الواقع يتجه للمؤمنين الشرفاء ليحملهم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وليضاعفوا من جهودهم للوقوف أمام هذا التيار الجاهلي المتجدد والمتجذر لاقتلاعه من جسم الأمة وقذفه في بحر الظلمات. ولا شك أن تصميمهم القوي وعملهم الدؤوب سيجعلهم يحققون ما يصبون إليه ولو بعد حين لأن الله سبحانه وتعالى معهم وقد وعدهم قال تعالى(وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقال: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
ولنا في الإمام الحسين(ع) قدوة حسنة حيث نهض وتصدى و جاهد للاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل ما يمتلك من قوى، وضحى بكل غالٍ ونفيس ليحافظ على الإسلام الصحيح، بالوقوف أمام الأخطبوط الخبيث (أبناء آكلة الأكباد) حتى قذفه في مزبلة التاريخ. وحتى نكون ممن يسعى ـ وكل بقدر إستطاعته وموقعه وتأثيره ومسؤوليته ـ لنكون، او نسجل أسماءنا في قائمة أنصار الحسين(ع) والانتماء الى خطه، فإن على كل فرد منّا يحمل هذا الأمل ويصبو اليه، أن يحمل مسؤوليته في العودة الواعية والحكيمة، بالفكر والثقافة والممارسة، في إصلاح المجتمع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر وتعزيز ثقافة القرآن الكريم، والدعوة الى الانسانية الحقة، والى قيم العدل والحق والانصاف، وتزكية وتطهير النفوس والمجتمع من الفواحش ماظهر منها ومابطن، ومن اغلال الحواجز النفسية المصطنعة والوساوس الشيطانية المخربة، ومنزلق الاغراءات، ونعالج بهذه العودة وهذه الدعوة مشاكلنا وازماتنا ومايواجهنا من تحديات بنور هذا المصباح المنير"، إن الحسين مصباح هدى"، ونواجه الفتن والمحن بالركوب في سفينته الاوسع والاسرع، " وسفينة نجاة".
أن نحمل هذه المسؤولية بكل صلابة وتعاون على البر والتقوى.. لتشع شمس الصباح بالنور وتضفي على الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
|
|