الكتب السماوية و الطريق إلى السماء!
|
*علي الضميري
يحتاج الإنسان إلى دليل وخارطة يدلاّنه إلى طريق مرضاة الرب، وإلى حيث نقطة انتهاء رحلته في هذه الحياة، لينطلق بعدها إلى خالقه سبحانه وتعالى، تماماً كاحتياجه إلى المعرفة المسبقة والدليل والخارطة ليسافر من منطقة إلى أخرى ليتجنب احتمال الضياع والتيه وتحمل مزيد من التعب والخسارة المادية والتعرض للمخاطر.
وما الكتب السماوية وآخرها القرآن الكريم، وما الأنبياء والرسل وآخرهم نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، والأئمة المعصومون عليهم السلام، إلا مصاديق حيّة وحقّة للدليل والخارطة الإلهية التي من شأنها الأخذ بيد الإنسان نحو التكامل والسمو والإنطلاق إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.
فلا يبقى أمام ابن آدم إلا الإيمان بهذه الكتب والأنبياء والأئمة الهداة، بعد أن يتعرف إليها وإليهم، ثم يؤمن بهم إيماناً يعينه على قطع مسافة الرحلة إلى ربه بشكل سهل يسير.
ولما كان الله تعالى قد قضى على جميع خلقه بتجربة الموت، فإن الأنبياء لم يكونوا بمنأى عن مغادرة الدنيا، فقد عهد أنبياء الله المتتالين إلى من يخلفهم، كأوصياء في أقوامهم تبعاً للحاجة إلى القوانين وتفاصيل القوانين التي تبقى سارية فيهم، فها هو نبي يوصي إلى نبي مثله بالخلافة، وآخر يعهد بمقامه إلى وليٍّ لله يخلفه، أو سبط له مميزات وقابليات تشبه مميزاته وقابلياته، وذلك كله ضمن توجيه رباني مباشر، لأن النبي غير مأذون بتصرف شخصي مستقل، بل هو معصوم لايمكن تصور خروجه على إرادة الرب.
*خلافة النبي المصطفى(ص)
لقد ختم الله تعالى رسالاته برسالة نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله، ولم يكن خاتم الأنبياء بدعاً منهم ومستثنىً عنهم. فهو في الوقت الذي اصطفي لمقام النبوة والإمامة على الناس، فقد انطلق أول ما انطلق بتعيين خليفته على الناس ووصيه ووزيره فيهم، إذ "أنذر عشيرته الأقربين" ودعاهم إلى الإيمان برسالته المباركة التي تضم أصول الدين وفروعه، مؤكداً عليهم أن أول المؤمنين به في ذلك المجلس سيكون وصيه و وزيره وخليفته والإمام من بعده دون الباقين ممن حضر في مجلس الإنذار الذي كان (صلى الله عليه وآله) قد أعدّ له من قبل، بناءً على الأمر الرباني له بإنذار عشيرته الأقربين.
فلم ينبرِ له إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) مراراً وتكراراً، دون الباقين الذين راح بعضهم ينظر بوجه بعضٍ، بمَ تعجب و إعجاب و سخرية، حيث انتهى النبي الأكرم إلى إعلانه علياً خليفة له عليهم بعد رحيله عنهم.
وهكذا واصل النبي هذه الحقيقة خلال حياته ما ينفك عن التأكيد على أن علياً هو أميرالمؤمنين، حتى أنه قال في آخر أيام حياته المباركة: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما، لن تضلوا بعدي أبداً".
ومن هنا يعد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الإمامة أصلاً من أصول الدين، وأنها الضامن الأكيد لعدم إنحراف الناس عن صراط القرآن الكريم، ومعانيه ومفاهيمه، وأن الإمامة منزلة الأنبياء، كما قال الإمام الرضا (عليه السلام)، وهي خلافة الله ورسوله، وهي زمام الدين ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا والدين، وعز المسلمين، وبالإمام المعين من قبل الله تعالى يكون تمام الصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات.
نعم، إن الإمامة ليست شأناً بشرياً، يمكن لهذا أو ذاك أن يتصرفا به، فيمنحانها لشخص أو يدفعانها عن آخر، بل هي قضية إلهية، ولايسع الإنسان أن يتدخل في شأن السماء، وقد قال تعالى: "ما فرّطنا في الكتاب من شيء" فكل أمر يأخذ بيد الإنسان إلى السعادة ويجنبه الشقاء، متوفر علمه في القرآن، وسواء أكانت الإمامة بعد النبي قضية دينية أصلية، كما نقول نحن الشيعة، أم كانت شأناً فرعياً، كما يدعي أهل السنة، فإنها تبقى شأناً إلهياً، وضعه الله تعالى لاستمرار دينه لأن لايدع دينه تذروه الأهواء والإجتهادات الشخصية .
*مؤهلات الإمام
حيث أمر الله باتباع إمام معين ومصطفىً من بين الخلق، فإنه من الضروري توفّر صفات خاصة فيه، كما هو الشأن في سبب اصطفاء النبي من بين سائر الناس. فيكون الإمام بمؤهلاته وصفاته محور حركة الإيمان، وليطوف المؤمنون حوله بعد النبي، وليكون الشاخص للواقع الإيماني، في مقابل حركة الباطل والنفاق، حتى وإن استولت الحركة الباطلة على واقع المجتمع والتاريخ، فأن يعرف الإنسان إمام زمانه ثم يتبعه، يكون جديراً بالإستمساك بشاخص الحق، وقد أجمع المحدثون على صدق الحديث النبوي المتواتر القائل: (من لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية).
وواضح أن الإمام لو لم تكن فيه مؤهلات محددة تجعله أسمى من غيره، لما بقي ما يفرض على غيره اتباعه. والأوضح من ذلك، أن المؤهلات المقصودة هي نفس مؤهلات النبوة، ومسؤولياتها وصلاحياتها، وإلى هذه الحقيقة يشير الحديث النبوي المتواتر أيضاً: (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لانبيَّ بعدي)، وهذا يعني أن وصي الرسول له نفس الولاية على البشر، وله نفس العصمة التي تحيد بالإمام عن احتمال إرتكاب الأخطاء بأنواعها، والعياذ بالله.
بلى! إن المعرفة المقرونة بالطاعة والإتباع، هي المعرفة المطلوبة، وإلا فإن طابع الجاهلية، يبقى ملتصقاً بدرجات متفاوتة بالإنسان الذي يحدّد الإمام المصطفى، دون أن يكلف نفسه عناء اتّباعه والتأسي به، أما الذي يموت دون أن يعرف ويحدد إمام زمانه المفترض الطاعة، فإنه يموت ميتة جاهلية، تماماً كميتة من مات في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، دون أن يعرفه بكونه نبياً مرسلاً، فمات ميتة الكفر والجاهلية، وهو مشرك بالله العلي العظيم.
*عصمة الإمام
الدنيا لبعض الناس دار لهو ولعب. وهي لآخرين دار امتحان وبلاء، يؤجر من أحسن فيها، ويعاقب من أساء خلالها.
وبعد جملة من الإمتحانات، جعل الله نبيه إبراهيم (عليه السلام) إماماً للناس. فاراد أن تكون الإمامة من نصيب ذريته، وذلك بعد أن راى عظمتها ومقامها الأسمى، ولكن الله تعالى قال له: "لاينال عهدي الظالمين"، ولعل من جملة وجوه هذه الآية المباركة، أن الإمامة عهد من الله سبحانه وتعالى، وليست شأناً يتصرف فيه الناس. وأن الإمام لابد أن يكون معصوماً عن الخطأ.
ولذلك، فإن التهديد النبوي القاطع بميتة الجاهلية، لمن لم يعرف إمام زمانه، يأتي مناسباً للغاية لمشروع جوهر الإمامة ومنزلة وصي النبي السامية، الذي أناله الله عهده، بعد أن أبطل ولاية كل ظالم جائر إلى يوم القيامة، وحمـّل الناس مشروع ولاية المعصوم إلى يوم القيامة.
يبقى أن الإمام مفترض المعرفة والطاعة، مجرداً عن كونه حاكماً فعلياً، أو مضطهداً مُرميً في السجون، ظاهراً للعيان، أو غائباً لأسباب وحكمة ربانية. تماماً كما هو الحال في مقام ودور النبي وصلاحيته. فالإمام يبقى إماماً مهما اختلفت الظروف، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته، وعلم الله هذا أسمى من أن يدانيه ظرف أو يؤثر فيه واقع معين.
|
|