العراق مهدد بالغرق ما لم يقتنع الجميع أنهم في سفينة واحدة
|
* إعداد / بشير عباس
هل يقدّر الله للبشرية المشاكل والازمات؟ كلا... لانه سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق ليعذبهم وانما ليرحمهم، ولو يشاء لأخذ أهل الارض بألوان العذاب ولكنه سبحانه وتعالى سبقت رحمته غضبه، بلى؛ في بعض الاحايين ربنا يبتلي خلقه ببعض المشاكل البسيطة، مرضٌ هنا وفقر هناك، ونزاعات هنا وهناك، لكن في كل الاحوال لا تعد هذه المشاكل ذات قيمة اذا قيست بتلك المشاكل الكبرى التي تعيشها البشرية اليوم من فقر مدقع وحروب مدمرة واحتباس حراري تزداد خطورته يوما بعد يوم، و من الوان الحروب التي تشتعل هنا وهناك.
هذه المشاكل اصبحت اليوم سمة للعالم، بحيث انه يصعب على الانسان ان يتخيل عالماً لا مشاكل فيه، وكأن هذه اصبحت جزءاً من تركيبة هذا العالم.
والسؤال هنا؛ ما هو موقف الاسلام وهو آخر رسالة الهية الى البشرية مما يجري ؟ وهل يقدم حلّا او طريقاً للبشرية تتخلص من خلاله من هذه الازمات والكوارث المتواصلة؟
وفي العراق؛ البلد الذي نعيش فيه، يعيش حالة حرجية واستثنائية وطارئة لاسباب عديدة، فقد تعرض البلد للاحتلال، ومن قبل عاش في قبضة دكتاتور من العيار الثقيل، وخاض حروبا مدمرة، تمخضت عن تدمير معظم البنى التحتية. كل هذا يجعلنا أمام السؤال عن الحلول التي يقدمها لنا الاسلام للخروج من هذا النفق المظلم؟
استنطاق القرآن الكريم
نحن كمسلمين أولا: وكعلماء دين ثانياً: علينا ان ندرس القرآن الكريم ونستنطق آياته المباركة ونحاول ان نبحث في غور هذه الآيات عن حلول لهذه المشاكل، وهذه هي مسؤوليتنا، فهل يجوز ان يجلس الطبيب امام المريض ويتفرج على معاناته وآلامه؟! المعروف والبديهي انه مسؤوليته ان ينظر الى واقع المريض ويسعى لعلاجه، واذا كان الاطباء مختصين بالابدان والمحافظة على السلامة البدنية، فان علماء الدين مختصون بسلامة الروح، الامر الذي يفرض علينا ان نفتش عن مستوحاة من القرآن الكريم ومن سيرة النبي الاكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم. أما ان يتقبل الناس الطرح والبديل او يرفضوه فهو شأنهم، لكن المهم هو أداء المسؤولية على أحسن وأكمل وجه، ولا نيأس من روح الله، وهذه مهمة الانبياء عليهم السلام، "وما على الرسول الا البلاغ المبين".
إذن؛ مهما كبرت مشاكل العالم وتعددت مشاكل وازمات العراق، فليس من المستحيل إيجاد الحلول و المخارج من القرآن الكريم الذي جعله تعالى نوراً ساطعاً ودستوراً متكاملاً للبشرية جمعاء وليس لأمة بعينها، كما أنعم الله علينا بالنبي الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم. ومن جملة الآيات الكريمة التي تدلنا على عظمة كتابنا المجيد وانه المصدر الاول والاخير: "وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ" (النمل /92).
التوازن بين الماديات والمعنويات
ان مشكلة العالم الرئيسية افتقاده للتوازن بين الروح والجسد، بين المباني الايمانية وبين الشهوات المادية، والسبب في ذلك يعود الى ان العالم بدأ يتقدم وبسرعة هائلة نحو الاكتشافات العلمية ونحو تسخير الطبيعة، واليوم دخل الانسان في هندسة الجينات وفي سبر غور الفضاء واكتشاف اسرار الكواكب البعيدة، ودخل في امور كان من الصعب التحدث عنها في الماضي، وعندما زادت قدرته المادية وامكاناته طغى، وهذا حاله: "إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى" (العلق /6)، فاعتقد انه عبر هذه الوسائل بامكانه حل كل المشاكل، فوقع في المأزق الكبير. وقد سبق وان أكدت في احاديث سابقة ان المادة لا تحل مشاكل المادة، انما الروح هي التي تحل مشاكل المادة، لان المادة عمياء، من سماتها الطغيان، و لا دين لها، بل الدين هو الذي يحدد المادة ويقومها ويعين لها الهدف والغاية.
من هنا لا احد يماري اليوم بضرورة وجود القيادة الروحية للمادة، فالتقدم المادي الهائل الموجود فوق هذه البسيطة هو الذي يخلق الازمات والمشاكل للبشرية، وإلا فما هو السر في أن يكون بلد أوربي يعيش ظروفاً طبيعية على حافة الافلاس مثل البرتغال او اليونان؟ وما هو سر المجاعة والجفاف القاتل والمدمر الذي يضرب القارة الافريقية منذ عقود من الزمن؟ ثم ما هو السر وراء نشوب الحروب بين بلدان ليست بينهما مشاكل حقيقية تستوجب نشوب الحرب؟ وما هو سر تفاقم مشاكل البيئة في العالم؟ و... القائمة تطول باسئلة عن اسرار الازمات المتعددة التي يعاني من انسان اليوم. وقد قالها أحد الخبراء في امريكا إبان تصاعد الازمة المالية المعروفة بازمة سندات العقارات، بان (الفقراء اكثر نبلاً واخلاقاً من الاثرياء)، فيما قال آخر: (ان الاثرياء والاغنياء ليسوا بالضرورة الاكثر ذكاءً ونجاحاً من غيرهم).
وهنا لانقصد التخلّي كليةً عن عالم المادة والتقدم العلمي والتقني، فهو ما يحتاجه الانسان لحياة افضل، لكن ما يحتاجه هذا الانسان ايضاً هو الروح والاخلاق والقيم المعنوية، لذا نجد بين فترة واخرى، تسلط الاضواء على مجموعة من مشاهير الرياضة او السينما او الفن او حتى من الامراء والاثرياء، وهم يجتمعون في مكان ما، ويعلنون بشكل جماعي تبنيهم للمصابين بالايدز – مثلاً- او مساعدتهم للاطفال الجياع او المرضى حول العالم وهكذا، لكنها لا تعدو مبادرات تفوح منها رائحة الدعاية والتسويق والتلميع، فهي مثل نسمة هواء في جوٍ لاهب سرعان ما يزول أثرها. وعليه لابد من التوازن بين الماديات والمعنويات. وحالة التوازن هذه، بحد ذاتها مطلب منطقي وعقلاني لامفر منه، لكن المشكلة في البعض الذين يسوفون ويماطلون، فيدفع الاخرون ثمن انقلاب الاوضاع رأساً على عقب بسبب عدم وجود هذا التوازن الحياتي.
لا حلول بالشعارات
إن الوضع في العراق يختلف عما موجود في العالم، لان العراق حالة استثنائية ويعيش ظروفاً حرجة، و لا يستطيع احد ان يدعي انه وبين عشية وضحاها بامكانه ان يغير الوضع في العراق نحو الاحسن. ولذا خلال اللقاءات مع وزراء الكهرباء – وهم يتبدلون باستمرار- أؤكد لهم ان مشكلة الكهرباء لا تحل بالوعود والشعارات، فقد بات حديث المسؤولين عن قرب حل هذه المشكلة عن الناس مثار سخرية واستهزاء، لانهم تارةً يسمعون عن نهاية هذه السنة، وتارة اخرى عن العامين القادمين او بانتظار الميزانية المطلوبة و....! الافضل لكم ان تصارحوا الناس بحقيقة المشكلة، كذلك الحال بالنسبة لمشكلة الامن، فهنالك من يعلن ويؤكد انه يسيطر على الوضع الامني في هذه المدينة او تلك، نعم؛ انه يسيطر ويفرض سطوته بقوة السلاح والدعم اللوجستي، لكنه لن يتمكن من إطفاء نار الارهاب في العراق، وقد ذكرت هذا المثل قبل عشرين عاماً في قضايا اخرى، ان الارهاب أشبه ما يكون بنار القطن، يصعب إطفاءه، لانه سريع الاشتعال وسريع الانتقال والسراية.
البعض يصور الارهاب على انه خلايا سرطانية تتم معالجته بالاشعاعات والمواد الكيماوية، ثم يتعافي المريض ظاهرياً وينهض على قدميه، لكنه فجأة يسقط على الارض بعد ان تنمو فجأة خليّة سرطانية في بدنه وتتكاثر وتتحول الى تهديد جديد للانسان. إذن؛ لا أحد بامكانه الادعاء انه لوحده قادر على إخماد نار الارهاب. مثال ذلك؛ افغانستان، فهذا البلد المسلم ومنذ ظروف الاحتلال الروسي، وبعده خاض الحروب الداخلية والصراع على السلطة، وحتى اليوم يعاني من عدم الاستقرار الامني، وكذلك الحال في باكستان والصومال وبلاد اسلامية اخرى.
والمشكلة الاخرى ان البعض يحمل مسؤولية المشكلة على البعض الآخر! فيقال: ان رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية هو المسؤول أو ذاك الوزير مسؤول او القضاء مسؤول، بينما لو نظرنا على واقع العراق لوجدنا ان مشاكله وازماته بحاجة الى حلول من الجميع وليس من شخص او جهة معينة، حتى وإن ادعى شخص مهما كان منصبه بان سيفعل ما يفعل... فانه محكوم عليه بالفشل سلفاً. والسبب واضح ولا حاجة للتبيين اكثر، فالبلد في حالة غير طبيعية، ومنذ الاحتلال والدولة منهارة تقريباً، وإن هنالك بعض بقايا الدولة موجودة، فهي ليست على أسس سليمة. مما يفرض على الجميع المشاركة لحل جميع المشاكل. لا أن تكون هذه الوزارة وتلك المؤسسة محلاً لتقسيم الغنائم والمكاسب على الاصدقاء والرفاق في الحزب والعشيرة وغير ذلك من الانتماءات، متجاهلين معايير الكفاءة والنزاهة.
ما هو الحل...؟!
من حق كل انسان البحث عن الحل... انه يكمن في ازالة كل الفوارق المصطنعة التي ما انزل الله بها من سلطان. لابد من إلغاء الاسماء غير المقدسة والانتماءات غير الوطنية، ونفكر بشكل جماعي، ونتصور انفسنا وكأننا في سفينة واحدة وسط الامواج العاتية التي تهدد السفينة بالغرق ومن عليها بالموت، فهل يلجأ كل واحد منّا الى طريقة التفكير الخاص به بعيداً عن مشاركة الاخرين مصيرهم؟ وهل اذا تحطمت هذه السفينة فان احداً يعتقد انه ليس بغارق كما الاخرين؟!
لابد من التفكير المنطقي والموضوعي في أمر العراق، فهو بلد يحظى بامكانات كبيرة و وافرة، وفيه شعب يقظ ومتعلم، بينه كفاءات علمية كثيرة جدا، وله خزين من التقاليد الاجتماعية والقيم الايجابية، كما يمتلك الشجاعة والديناميكية، لكنه لا يستطيع الاستفادة من كل هذه القدرات والفرص. والسبب هو غياب المنهجية الصحيحة.
لقد أبتلي المسلمون بمعركة (الجمل) التي فرضت على الامام امير المؤمنين سلام الله عليه، فكان يحارب ويبكي، فسألوه عن ذلك، قال: (باتت مُضر تقاتل مُضر. و ربيعة تقاتل ربيعة)، بمعنى العرب يقاتلون بعضهم البعض الآخر! وهذا ما كان مدعاة للحزن والألم عند أمير المؤمنين عليه السلام، فهو يشهد لاول مرة في تاريخ المسلمين أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، فقد تركوا الاعداء الحقيقيين للأمة وراحوا يقاتلون بعضهم بحثاً عن السلطة والخلافة.
هذه المشكلة موجودة عندنا بصورة أخف والحمد لله...! لكن ماهو الحل لنتخلص من هذه المشكلة؟
الاية الكريمة تقول: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ" (آل عمران/ 102-103)، إذن؛ علينا ان نرجع الى حبل الله المتين. أن نرجع الى قيمنا ومبادئنا، في العراق دستور و برلمان، وظاهر الامر جيد جداً، لكنه يبدو مثل المادة الخام التي لم تصقل بعد وما يزال الغبار والشوائب تتراكم عليه، فكل المفردات الايجابية والحسنة في العراق لن تظهر إلا بعد الصقل والتفعيل وبعث روح الوحدة والعمل المشترك و روح الايمان بالوطن المشترك والمصالح المشتركة ، وهذه ليست مسؤولية رئيس او مدير او قائد عسكري، إنما هي مسؤولية الشعب باكمله، وفي مقدمتهم العلماء، هم يقفون في قمة المسؤولية، ومعهم الحوزات العلمية، وكذلك الدولة مسؤولة والكتل السياسية الحاكمة، وكذلك بقية شرائح المجتمع، والسبب في ذلك، هو ان افرازات الازمة وانعكاساتها تشمل الجميع، ولن يكون هنالك أحد مستثنى من العواقب السيئة التي تنتظرنا إن بقينا على هذا الواقع السيئ.
وهنا تحذير... يجب ان لا ننخدع بالظواهر، فالانسان المريض في حالة حرجة، يجب ان يُعالج بالشكل الذي يناسب حالته وظروفه، لا ان يترك على حالته، كما لا يغتفر أي خطأ فني او أي عمل متهور او تدخل خارجي لأي سبب من الاسباب، لأن هذا ربما يقضي على هذا الشعب باكمله، لذا يجب ان لا نجلس وننتظر حتى تأتينا مشكلة من الخارج وتسبب لنا وضعاً غير جيد، ثم نجلس لنفكر في الحل، وليس الاختلاف على تسمية وزير طوال شهور مديدة. إن دلّ هذا فانما يدل على عدم وجود الانسجام بين النخب السياسية الحاكمة، في وقت الناس يعيشون وضعاً غير طبيعي بالمرة وينتظرون كل يوم حل لهذه المشكلة وتلك. لكن وكما أشرت في وقت سابق، إن على الناس ايضاً مسؤولية الضغط على النواب الذين أتوا بهم تحت قبة البرلمان، وإلا فان هذا النائب او ذاك لم يكن ليستلم هذا المنصب ويجلس على مقعد النيابة في مجلس النواب ببغداد، لولا حصوله على أصوات الناخبين. هذا الضغط او المتابعة كفيلة بان تدفع النائب والمسؤول بالشعور بانه مراقب ومتابع من قبل الناس، فهو محاسب من قبلهم، وهذا يكون حافزاً له لأداء عمله بشكل أحسن وأكمل.
|
|