تضخم الشهادات الجامعية
|
*محمد علي جواد تقي
ماهي المسافة بين النظرية والتطبيق؟ وما هي الفاصلة بين القول والعمل؟ ثم ما هي العلاقة بين ما يتعلمه الانسان في المدرسة والجامعة وبين الواقع الذي يعيشه؟
انها أسئلة بسيطة وعفوية نطرحها دائماً لنحتج على من يكثر من التنظير والتسطير، وهو لا يبرح مكانه، ويتوقع من الآخرين ان يتحركوا ويتقدموا أمامه، لكن هذا الواقع السيئ غير المرغوب فيه، نراه سائداً بل و مرحباً به ميدان فرص العمل في العراق، وربما في عديد بلادنا الاسلامية. فقد سجلت مرحلة ما بعد نظام صدام البائد، قفزة نوعية من البنين والبنات نحو التعليم ومواصلة المشوار حتى أبواب الجامعة ثم دخولها أملاً في الحصول على الشهادة الجامعية. هذه القفزة نراها أطول وابعد لدى البنات بعد استتباب الامن والاستقرار بمستويات عالية، والامر الآخر الاكثر اهمية التحسّن الملحوظ في دخل المواطن العراقي، وإذن؛ امام الفتاة مستقبل ضاحك إن حصلت بدايةً، على شهادة (بكالوريوس) في الحقوق او الادارة والاقتصاد او الآداب وغيرها، لتكون صاحبة حق للمطالبة امام مؤسسات الدولة بالوظيفة وفرصة العمل، وفي نهاية المطاف الحصول على مردود مالي يضفي عليها طابع الاستقلالية والاعتداد بالنفس و.... ولكن...! هل ضمنا هذه الوظيفة وفرصة العمل بعد حصولنا على الشهادة الجامعية؟ أم خلقنا جحفلاً للشباب العاطلين بمعية شهاداتهم الجامعية؟
طبعاً؛ لا يتصور ابناؤنا وبناتنا أن التساؤل الاستنكاري هذا موجه لهم، لان (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، كما أوصانا نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله، وحثنا أهل بيته صلوات الله عليهم على ضرورة طلب العلم، لكن هذا لا يعني ان نقبل بقدر نصنعه بانفسنا، ثم نرفع اصوات الاحتجاج والاعتراض بوجه الحكومة بان تتكفل بتوفير فرص العمل للخريجين، لأن هذه الاصوات ربما ترتفع عالياً وتصنع خبراً للاعلام، لكن سرعان ما ينتهي كل شيء، ولا يجد الشاب – وهو محسوب على فئة الرجال – خياراً سوى النزول الى الشارع على شكل سيارة أجرة أو الوقوف صباحاً بانتظار المقاولين وأهل البناء، او خوض الاعمال التجارية الحرة او حتى افتراش الارصفة وبيع المستلزمات والحاجيات البسيطة المعروف عنها عراقياً بـ (الحاجة بربع)، أي 250 دينار. إنما المسؤولية تقع بالدرجة الاولى على مسؤولي الدولة والسلطة التنفيذية تحديداً، فهي التي تدير مسار التربية والتعليم ثم التعليم العالي، ثم الخطوة الأهم في نهاية المطاف توظيف العلم والمعرفة التي حصل عليها الطالب او الطالبة لخدمة الانتاج الذي يُعد من أهم مفاصل الاقتصاد الناجح في العالم.
كما يُقال: (ان العبرة بالنتائج)، وليس في الدراسة الجامعية بحد ذاتها وما يرافقها من امور جانبية من قبيل الخدمات والمستلزمات والاقسام الداخلية وغيرها، بل حتى في ضخامة الجامعات، وإن كانت كلها مطلوبة كمرحلة أولى على الطريق. ان ارقام الموظفين عندنا في العراق مهولة، وحسب آخر الاحصائيات الرسمية فان حوالي عشرين بالمئة من الموظفين فقط هم من يؤدون باعمال حقيقية في دوائر عملهم، وهنالك حوالي تسعة ملايين موظف يتقاضى راتباً شهرياً من وزارة المالية، وهذا يعني استنزافاً للثروة الوطنية، وهي حقيقة يفهمها من يدرسون الاقتصاد، فالثروة المعدنية آيلة للنضوب يوماً ما، وينقطع حبلها السري مع حياة الناس، وهذا بالحقيقة ما يجب ان تفكر به حكومتنا و جامعاتنا معاًً. فكما اننا لا نجامل ونهادن إزاء ملف الأمن السياسي، فنخطط ونبذل الاموال ونستقدم الخبرات والتجارب، علينا ايضاً ان نكون كذلك واكثر إزاء الامن الاقتصادي الذي يستتبعه الامن الاجتماعي. فنحن نفكر طوال السنوات الماضية بتدريب وتعليم قوى الامن على استخدام المعدات الحديثة وتوظيف التقنية العالية، ثم لا نجد تلك النتيجة المرجوة والطموح الكبير على ارض الواقع بسبب التقاطعات بين السياسي والامني والحزبي و.... – وهذا بين قوسين طبعاً-، بينما ورش العمل في جميع الحقول الدراسية، ستأتي لنا بنتيجة ولو بنسب معينة كبداية أولى، ونقول هذا، لان علم الاقتصاد والحقوق والطب والهندسة وغيرها امور يعيشها المجتمع وعلى تماس مباشر بها، وليس الناس بحاجة من يقول لهم: (من الجيد التفاعل مع المحامين والاقتصاديين لتكريس ثقافة القانون والاقتصاد والانتاج)، او ان عليهم تشجيع الانتاج الوطني وغير ذلك.
|
|