صياغة الوعي .. بين الصدق والتملق
|
محمد علي
في الطريق لبناء القواعد والأسس السليمة من أجل حياة حرة كريمة لا بد من العمل على صياغة الوعي في المجتمع من خلال ثقافة منفتحة تعزز من التمسك بالكرامة والحرية المنضبطة والمسؤولة ، والاستقلالية، والعزة في نفوس الناس ، بعيداً عن الهيمنة والشعور بالضعف والعجز، ومن هنا تعتبر صياغة الوعي من أعظم التحديات التي تواجه نهضة المجتمعات وانطلاقتها ويوضح القرآن الكريم أهمية الاستماع الواعي ودوره في صياغة الوعي حيث يقو ل ربنا عز وجل في سورة الزُمر: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»]، ثم يركز القرآن الكريم بعد ذلك إلى أهمية العقل والقلب السليم في استقبال الفكرة والتفاعل معها فيقول ربنا عز وجل في سورة الحاقة: «لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» ، ويقول الإمام علي (ع): «إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها»، وطبعاً يأتي قبل كل ذلك تحرر المجتمع من قوانين وقيود الجهل وأغلال التخلف، وهي مادعى وعمل الاسلام على محاربتها والتخلص منها، فهي مكبلة للنفوس والطاقات، و تقيد الناس فتجعلهم عاجزين عن الوصول إلى الحقيقة أو عن العمل بها.
يأتي هذا الحديث في سياق واقع مؤلم نأمل أن نرتقي به في تفكيرنا وثقافتنا السياسية من أجل صياغة واقع سياسي متطور وفاعل قادر على الخروج بالبلاد من أزماتها المتراكمة والمزمنة. وهذا الطرح لاسيما في ظل توقيت ومفصل حساس لايأتي قطعا من مسألة ارتجالية أو حالة انفعالية بقدر ما يجب أن يكون إطلاق «صرخة وعي» في مقابل التخبط السياسي الذي يتلمسه ويلاحظه الجميع، و «صرخة ألم» في مقابل ماتعانيه شرائح واسعة جدا من ابناء الشعب من سوء معيشة وفقر ونقص في الخدمات، وغير ذلك من نتائج تكبيل الوعي و الارتجال والتخبط في السياسات العامة، الناتجين اساسا من التخبط السياسي ذاته، فإننا بحاجة إلى استثارة العقول واستنهاض الطاقات عند أبناء مجتمعنا لتحفيزهم وشحذ هممهم من أجل الارتقاء بواقعهم السياسي والاجتماعي والفكري، ولذلك علينا جميعا وعلى الدوام ومن اجل مواجهة التحديات، الالتقاء على طاولة البحث والنقاش والتعاون بين مختلف الفرقاء، من سياسيين وكفاءات وإعلاميين ومتابعين، لأننا يجب أن نُغفل أهمية العقل الجمعي والروح الجمعية والعمل الجمعي بعيداً عن الفردية او الاستبداد والاستفراد والاستقواء لأن العمل الجمعي رؤية دينية وعقلية وحضارية.
إننا بحاجة إلى صرخة وعي خاصة ونحن نعيش في ظل تحديات صعبة في بلادنا تواجهنا داخليا وخارجيا، وعلينا أن نتعاون جميعاً من أجل التكامل في التفكير وفي العمل وأن نرتقي في نظرتنا للأمور بعيداً عن وضع الحواجز أو التثبيط أو العمل على التقليل من أهمية الأفكار والمشاريع المطروحة كما يفعل البعض من هواة التملق والتزلف الذين يعشعشون في مفاصل الدولة ومؤسساتها، فضلا عن التكتلات والائتلافات، وحول موائد وكراسي السُلطة، يوحون لبعضهم البعض ولمن يحلقون حول كراسيهم ومناصبهم، زخرف القول غرورا ..
وما التحديات والأزمات الخانقة الموجودة في بلادنا إلا نتيجة لغياب هذه الروح التعاونية الجمعية، وغياب ثقافة أن (جمع) العقول والرؤى الى بعضها، والنظرة البعيدة المدى والعمل المنشود الذي يقوم على قيم الانصاف والتعاون والعدل والمساواة ضمن إطار القيم السامية التي يرتضيها الدين والأعراف الإنسانية، وعليه لابد أن تبقى صرخة الوعي حاضرة ومعبرة ومؤثرة في قلوب الناس ما دامت مرتبطة بالحق والصدق أما الفقاعات «الزائفة» و»المتخفية» و»المتلبسة» فلن تجد لها مكاناً لأنه لا يصح إلا الصحيح وكما يقول ربنا عز وجل: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ» . والله من وراء القصد.
|
|