قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
شباب العراق.. شكوى البطالة وغياب الخطط للاستفادة من طاقاتهم
(حاجة بربع) مهنة خريجي الجامعات والمعاهد!
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة كربلاء / علي الجبوري
لم يكن يتوقّع الشاب لواء علي من محافظة كربلاء، بأنّه سيدخل بعد أربع سنوات قضاها في التعليم الجامعي، إلى عالم مأساوي اسمه (البطالة)، فبدلاً من أن يجلس في مكتب لائق بشهادته الجامعية وجد نفسه مكسوراً، ومرّة يفترش الرصيف لبيع بضائعه الملّونة على الناس في الشارع.ويمتهن لواء علي في العمر الربيعي،بيع البضائع البسيطة والمتعارف عليها شعبياً في العراق بـ (حاجة بربع -250 دينار عراقي)، بعد أن ترك شهادته معلّقة على حائط غرفته، فهو لم يستطع أن يحقق حلمه في تربية الأجيال الجديدة في المدرسة لعدم توافر التعيينات الكافية لخريجي كليات التربية، حتى تركَ أحلامه جانباً وبدلاً من كلمات (دار، دور) أصبحت كلماته اليومية (صحون، صابون، ألعاب.. كلهة بربع دينار)، وما يجمعه من زبائنه يعيل به عائلته المتكوّنة من أربعة أفراد.
يقول علي في حديثه لصحيفة (الهدى): «لقد سعى أهلي منذ صغري إلى إكمال تعليمي وأنا فعلت أيضاً عندما اجتهدت من أجل الحصول على الشهادة الجامعية التي تؤهلني لتعليم مادة الأحياء لتلاميذي، ولكنّه مجرد أضغاث أحلام انتهت بجلوسي وسط الشارع أبيع بضاعتي البسيطة على زبائني ميسوري الحال». ويضيف، بأنهّ «مضطر لممارسة هذه المهنة التي يعيل بها عائلته»، أما عن تفكيره بمستقبله يبيّن بأنه «كآلاف من الشباب خريجي الجامعات والعاطلين عن العمل في العراق ينتظرون مصيراً مجهولاً ولا يفكّرون بالاستقرار والزواج لعدم قدرتهم المادية على ذلك، ناهيك عما تتركه مثل هذه المهن على شخصية الفرد الذي يصغر بعيون الناس»، بحسب قوله.
زميل آخر للشاب علي، في نفس المهنة، واسمه عدنان حسين (25 عاماً)، قال بأنّ «الحكومة فشلت إلى حد ما في معالجة البطالة وتوفير الأعمال المناسبة للشباب العاطلين عن العمل وخاصة خريّجي الجامعات». ويمارس حسين بيع ألعاب الأطفال، إلاّ إن حاجته أكثر قيمة فهو يبيع البضاعة الواحدة بألف دينار عراقي، ومع ذلك يقول «لم تساعدني حتى على إعالة عائلتي أو التفكير بالارتباط والزواج بفتاة كانت زميلة لي في الجامعة حيث رفض أهلها تزويجي لمهنتي البائسة» حسب قوله.ويكمل حديثه، «أحمل شهادة البكالوريوس في الإدارة والاقتصاد منذ ثلاث سنوات، ولا زلت انتظر الفرصة المناسبة للحصول على تعيين يليق بي ويمكّنني من ممارسة حياتي الطبيعية؛ بدلاً من الجلوس في الشارع واستعطاف الناس لشراء بضاعتي». وعند سؤاله عن إيجاد تعيين له في الشركات الخاصة، أجاب بأن «مرتّباتها الشهرية غير كافية والكثير من أصحابها يفضّلون أقاربهم على غريب مثلي.. سأبقى أمارس مهنتي هذه لحين ما يأتي الفرج وتلتفت الحكومة لنا». وتحدّث الشاب عباس رحيم (24 عاماً) عن معاناته هو الآخر في عدم الحصول على وظيفة مناسبة له، فهو أيضاً «قد ترك شهادته العلمية (دبلوم ميكانيك) جانباً ويخرج من الصباح الباكر لممارسة مهنة البناء». ويقول رحيم بأنّ «الكثير من خريجي الجامعات والمعاهد في العراق يمارسون مهناً بسيطة لكسب قوتهم اليومي، وهم لا يختلفون أبداً عن غير المتعلّمين أو الأميين، لأننا نعيش في زمن يهمّش المتعلّمين وحملة الشهادات العليا». ويضيف بأنّ «الإحباط في عدم الحصول على تعيين حكومي يصيب الشباب في فترة التعليم الجامعي لأنهم يعلمون ما سيؤول عليه أمرهم كخريجي الجامعات السابقين»، لافتاً إلى إنّ «الشباب العراقي وخاصة الذكور يائس ،حيث يتطلّب منهم الحصول على الوظيفة المناسبة والتمكين المادي للزواج وإقامة أسرة جديدة».
ويشكل هولاء الشباب الثلاثة مجرد عينة ومثال لشريحة واسعة من زملائهم ليس كربلاء لوحدها بل في عموم المحافظات، ، حيث يشكو الكثير من خريجي الجامعات والمعاهد العراقية من عدم توافر فرص عمل مناسبة لهم، فالكثير منهم يكاد يصيبهم الاحباط ، وآخرين يتسكّعون في المقاهي وعند الأرصفة، وأخيراً ببيع الشاي أو حاجة بربع دينار. وقد عمّت محافظات العراق منذ شهور عديدة موجة من الاحتجاجات الشعبية على الفشل الرسمي في توفير الخدمات الضرورية للعراقيين، وطالبت شريحة كبيرة من الشباب خريجي الجامعات بتوفير فرص عمل لهم. وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات وطنية رسمية دقيقة عن عدد الشباب عموما في العراق و الخريجين منهم ، الا ان الشباب بنظر المحللين ذوي الاختصاص يشكلون النسبة الاكبر من عدد السكان، فيما يقول الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة السابق في العراق أد ميلكيرت في كلمة له امام مجلس الأمن الدولي أن « أربعة أخماس السكان هم دون سن الخامسة والثلاثين «. بحسب ما اورد في وقت سابق، مركز انباء الامم المتحدة ، حيث اضاف إن «الشباب يمثل 50% من معدلات البطالة الكلية «. في حين أظهر مسح ميداني مشترك أجرته جهات عدة عراقية وأجنبية عدة بينها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ووزارة الثقافة والشباب بحكومة إقليم كردستان وصندوق الأمم المتحدة للإسكان والمشروع العربي لصحة الأسرة في جامعة الدول العربية، للفترة من 15 نيسان ولغاية 10 أيار 2009، أظهر أن نسبة الشباب من مجموع السكان في العراق تتجاوز (40%). ويقول الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط أن مسحا ميدانيا نوعيا يتعلق بالبحث عن الجوانب الأساسية التي تهم الشباب اجراه في بداية شهر أب الماضي تحت عنوان (الفتوة والشباب في العراق ) اظهر نتائج متعددة عن السياسات والإجراءات التي يجب تحقيقها كان من بينها الحاجة الى تحقيق الترابط بين سياسات التعليم والمشروعات الاستثمارية وسياسات التشغيل وتحفيز القطاع الخاص على تشغيل الشباب، والتزام قوانين العمل والضمان الاجتماعي، ونقل التكنولوجيا الملائمة للإنتاج وحاجات الشباب وتوسيع قاعدة الملكية الصغيرة وكذلك الاهتمام بتدريب الشباب وتأهيله والاهتمام بالتدريب والتعليم التحويلي لمواجهة تغيرات سوق العمل ووضع القوانين والأنظمة بما يمنح فرصاً للحراك المهني والوظيفي وتشجيع برامج بناء القدرات لتمكين الفقراء والعاطلين من الشباب لغرض إعداد قواعد بيانات حول الأيدي العاملة الشابة في أسواق العمل للإرشاد والتوجيه الوظيفي والمهني لحماية التخفيف من الفقر بين الشباب ضمن أنظمة عمل مرنة تستجيب لاحتياجاتهم . واخيرا فأن التحديات التي واجهت شريحة الشباب العراقي على مدى عقود، ولغاية اليوم، ومن بينهم الجامعيون، كبيرة ومتنوعة، بدءاً من الحروب العبثية لنظام البعث، او مواجهتهم بسياسة الاضطهاد وآلة القمع والسجن والتنكيل ومحاصرتهم ثقافيا، ومن بعد وعلى مدى عقد من الزمن واجه من هم (شباب اليوم) تحديا وظرفا قاسيا اخر حيث الذين ولدوا تحت وطأة العقوبات الاقتصادية على الشعب العراقي، فضلاً عن عيشهم في ظل أجواء يشوبها القهر والعنف والبطالة وترك التعليم، وهو ماكان مستمرا ايضا الى وقت قريب في سنوات مابعد التغيير، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى ضرورة بذل جهود كبيرة لتحسين واقعهم، والعمل على وضع برامج وخطط عمل مدروسة للاستفادة من طاقات الشباب كافة لتحقيق أهداف التمنية في العراق، وإلى إشراكهم في وضع السياسات والبرامج وصنع القرار التي من شأنها أن تعود بالنفع على البلاد في المستقبل، و توجيه هذه الطاقات بشكل صحيح حتى لاتتحول نتيجة الاحباط والشعور بالغبن والتهميش إلى حقول الغام متفجرة اجتماعيا وسياسيا او الوقوع في حواضن العنف و الإرهاب.