الأمة الواحدة ومكارم الأخلاق
|
غريب مراد (*)
نعرف قيمة أي أمة بقدر تمكنها من تحقيق التلاحم بين مكوناتها وتنوعاتها، وأي أمة فقدت هذه الميزة الأساسية أصبحت معرضة للأطماع ومهددة بفقدان محور وجودها وهي وحدتها البنيوية وأصبحت وجها لوجه مع الاندثار والتبعية للأقوى أمميا. ولتتضح الفكرة أكثر فإنه من بين الشروط الأساسية لتأمين الوحدة في أي أمة وصلاحيتها في البناء الحضاري وبالأخص في أمتنا الإسلامية هما عنصران:
-1 التعامل بموضوعية استشرافية مع أزمات الحياة
-2 إرادة قوية في استثمار التغيرات الحياتية
حيث الله عز وجل ينبهنا لسنة حضارية رائعة في الآية الكريمة: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"(الرعد/ 11).
قد يبدو من ظاهر الآية أن أي قوم (وهذا المفهوم في لغة العرب أوسع)حتى ينتقلوا للحضارة لابد لهم من إرادة نفسية قوية، أكيد أن النفس لديها تأثير كبير على حركة الحياة (سلبا وإيجابا) لكن الأكيد أنه إلى جانب العامل النفسي هناك الجانب الفكري العقلاني السليم في مضمار النهضة ولا ضير من القول ان بينهما تلازما وترابطا عضويا في التطلع الحضاري. إذن التغيير بحاجة للصحة النفسية والفعالية الفكرية من أجل بلوغ الإمكان الحضاري، وهذا القانون القرآني الحضاري هناك حديث نبوي شريف متواتر بين المذاهب الإسلامية مع اختلاف طفيف بين الرواة لكن المتن واحد تقريبا، نذكره كما رواه أبو داود: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل:و من قلة نحن يومئذ؟ قال(ص): بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن،فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال (ص):حب الدنيا وكراهية الموت).
نستلهم من هذا التوجيه النبوي لمكامن الضمور والتخلف،ما ينتج عن الوهن النفسي والفكري، لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة وكراهية الموت دليل على قصور فكري بخصوص فلسفة الحياة وعلاقتها بالموت. ومركز الثقل في هذا كله هو ما مدى اهتمامنا بالأخلاق الفاضلة في حياتنا كمسلمين؟ الأخلاق التي بعث لإتمامها رسولنا الحبيب محمد (ص) والذي وصفه العزيز الحكيم في القرآن الكريم بأنه لعلى خلق عظيم، حيث حسنت جميع خصاله صلى الله عليه وآله.ترى هل فكرنا في آفاق الحديث النبي الأكرم (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)؟ والذي يلتقي مع العديد من الآيات كالسلم والعفو والرحمة والإحسان وما هنالك. بصراحة: وقبل فض هذه الإرهاصة عن علاقة قوة الأمة بتهذيب الأخلاق بين المسلمين بكل تنوعهم وفي جميع شؤونهم وبخاصة علاقاتهم واختلافاتهم حتى يتسنى للأمة المرحومة كما بشر الرحمة المهداة (ص) للوصول لواقع الأمة الواحدة. ولا يخفى على كل مسلم مهتم بأمور المسلمين أن: عنوان الأمة الواحدة مرتبط بعنواني العبادة والتقوى وكلاهما لهدف واحد، كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، وبلغة القرآن تفعيل الصالحات في حياة المسلمين والتخطيط للإصلاح الأمثل بعيدا عن الطوارئ الفكرية والتاريخية وبقدر توافر شرطيها(العبادة والتقوى) تتزين حياة الناس والأمة بمكارم الأخلاق...و الله من وراء القصد.
(*) باحث وكاتب من الجزائر
|
|