الفن في رمضان بين السمو والخواء
|
مهدي ملا علي (*)
خصص الباري جل وعلا لعباده محطات عبادية ليتقربوا إليه ويتخلصوا من الأدران التي خلفتها معاصيهم وآثامهم طوال العام، وتأتي هذه المحطات تجسيدا للرحمة الإلهية الواسعة التي لا يسعها شيء، ومن أهم تلك المحطات الإلهية هي محطة شهر رمضان الكريم شهر البركة والخير العميم، ولست هنا في صدد شرح وتوضيح فضائل هذا الشهر الفضيل فهي لا تخفى على أحد ولكنني أردت أن أسلط الضوء على إحدى المصائب التي نعاني منها في زماننا والتي تنتشر كالوباء مع بداية شهر رمضان من كل عام.
فقد تم تحويل شهر الرحمة والتوبة والطاعة إلى شهر مشاهدة التلفزيون ومتابعة المسلسلات الرمضانية وأصبحت هذه المحطة العبادية والروحانية موسماً للبرامج التلفزيونية الخاوية فبدلاً من أن يستغل المسلم يومه في العبادات والطاعات تقربا وتزلفا إلى الله عز وجل بات يقضي ليله ونهاره متابعاً لتلك المسلسلات التي عادة ما تفتقر إلى الهدف السامي الذي يؤثر إيجابا في تعزيز روح التعاطف والتعاضد بين أبناء المجتمع وترسيخ الأخلاق والقيم والسلوكيات الراقية والرفيعة، بل أستطيع أن أقول انها المصدر الرئيس لتدني مستوى التعامل بين أفراد المجتمع، فكلنا يلاحظ قوة تأثير تلك القصص والمسلسلات على سلوكيات المشاهدين حيث نجدهم يقتبسون الكلمات التي يتم تداولها في المسلسلات ويقومون بتقليد بعض الحركات المميزة التي يشاهدونها، والمؤسف في الأمر أن بعض القائمين على هذه المسلسلات لا يراعون الأبعاد السلبية التي ستخلفها إصداراتهم التلفزيونية، فسعيهم للبروز والتميز يدفعهم إلى إضافة بعض اللمسات الغربية والدخيلة على مجتمعنا كسباً للنجومية والشهرة، فقد أصبحت الألفاظ البذيئة والشتائم مستساغة وطبيعية جدا في حواراتهم، كما أن سوء الأدب في التعامل بين أفراد الأسر التي تظهر في تلك التمثيليات الرمضانية وغيرها باتت أمراً مقلقاً لما نلمسه من آثار غير صحية في مجتمعنا.
كلنا يعلم أن الفنان يجب أن يحمل رسالة إنسانية سامية ويحاول إيصالها إلى مجتمعه، وبناء عليه فإن الأولى أن تحمل المسلسلات نفس الرسالة والهدف وتسعى بكل طاقتها إلى تحقيق تلك الأهداف والغايات لترتقي بالمجتمعات والأفراد، وهذا بطبيعة الحال لا يتعارض مع تطعيمها ببعض الفكاهة والطرافة والحرفية في العمل حتى تحوز على إعجاب المشاهدين وتخرج من الإطار التقليدي الممل وتكون أقرب إلى ذهن المتابع لها، ولكن وكما يقول المثل "كل شي يزيد على حده ينقلب ضده" فإذا طغى طابع السخرية والهزل فإنها ستفقد قيمتها المرجوة منها وقد تتحول تلك المسلسلات إلى مدارس لتعليم المراهقين أنواع وأساليب الجرائم فتكون معول هدم يضرب أساسات المجتمع، وإذا كانت مصدراً لنشر سوء الأدب والألفاظ البذيئة فإنها ستحطم ما تبقى من قيم وأخلاقيات سامية.
علينا أن نعلم أن التلفزيون أصبح اللاعب الأقوى في التأثير على أفكار الناس ويعتبر أفضل الوسائل للوصول إلى عقول الأفراد من جميع المستويات والأجناس والتوجهات، وهنا تصبح المسؤولية الملقاة على عاتق الفنانين والقائمين على الأعمال الفنية جسيمة وعظيمة جداً، وأي سوء استغلال لهذه الوسيلة الإعلامية الجبارة يعتبر خيانة للأمانة الموكلة إليهم، ومن جانب آخر فإن أولياء الأمور يفترض أن يمارسوا دورهم الرقابي على أبنائهم حتى لا يكونوا صيداً سهلاً لتلك المسلسلات الخاوية.
كاتب من الكويت
|
|