قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الصداقة. . لمن وعلى ماذا. ..؟
*حسين ابراهيم
الصداقة والمحبّة أمران مطلوبان جداً لحياة الإنسان، باعتبارهما من أركان المشروع الإنساني في الحياة التي أنعم الله سبحانه وتعالى به على أولاد آدم، وهم الذين خلقوا ليعيشوا ضمن نظامٍ اجتماعي وتجمّع إنساني وليس في دائرةٍ منعزلةٍ، لأن كلّ فردٍ من أفراد الإنسانية يحتاج لاستمرار حياته بالصورة المعقولة إلى ذويه ومعارفه بل وحتّى إلى غيرهم بدرجاتٍ متفاوته وصورٍ مختلفة.
ولكنّ السؤال المهمّ الذي ينبغي الإجابة عنه بصورةٍ مقنعة، وهي الإجابة التي قد يتعلّق بها مصير الإنسان في كثيرٍ من الأحيان والحالات.
من نحبّ ومن نصادق؟ وعلى ماذا نحبّ؟ وعلى أيّ أساسٍ نصادق هذا أو لا نصادق ذاك؟
إنّ أوّل وأفضل من له الإجابة خصوصاً وأن إجابته دائماً ما تكون إجابةً تامّة، هو خالق الإنسان ربّ العالمين سبحانه وتعالى وهو الذي وضع لمخلوقه نظاماً معيشياً هو الغاية في الدقّة والكمال، حتّى يصل به إلى السعادة والرفاه، سواءٌ في الدنيا أو الآخرة.
ومن جملة أسس هذا النظام ما يتّصل بكيفية توجّه الإنسان إلى إنسانٍ آخر بالمحبّة والصداقة. ومن ذلك قول الله تعالى في سورة النجم الآية (29): "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا". وقوله تعالى في سورة الممتحنة الآية الاولى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ".
فالسبب الأول الذي يدعونا لعقد الصداقة مع هذا الشخص دون سواه هو كونه غير عدوٍّ لله سبحانه وتعالى لأن الذي يتّخذ من الله خالق الوجود والمنعم بنعمة الحياة على الموجودات والرحيم العطوف بالإنسان موقفاً معادياً ويأبى الإقرار بوحدانيته ويتمرّد على طاعته ويعلن التكبّر على تعاليمه، فذاك شخصٌ غير جدير بأن تقام معه الصداقة وتبرم وإيّاه أواصر المحبة، إذ الصداقة والمحبّة لهما شأنان ساميان ومنزلتان رفيعتان، ومن يعادي الله ويعرض عن ذكره، لايستحق أن يحظى بالسمو ولا بالرفعة إطلاقاً.
تعالوا لنتعرّف على السبب الذي من أجله تكون الصداقة، ولماذا يحبّ الإنسان هذا الشخص أو ذاك؟
فمن المفترض بمشروع الصداقة - من الناحية الإنسانية على الأقلّ- أن يساعد الإنسان على العيش النزيه، إذ الصداقة مشتقّة من الصدق دون الكذب، والصديق من صدق صاحبه، لامن غشّه وزيّن له الخطأ أو أخفى عنه الحقائق.
ومن فوائد الصداقة القائمة أصلاً على صرح المحبة والمودّة أن تفتح أمام ناظري الإنسان آفاق الحياة، وتدلّه على معاني الإخلاص والوفاء والمساعدة، وهذه وأمثالها فضائل أخلاقيةٌ إنسانية تحظى بمباركة الشرع وتعاليم الدين التي بدورها تنمّيها وتشذّبها.
فيا ترى كيف يكون لإنسانٍ ضلّ طريق الله بل وراح يجهر بالإساءة إلى كل ما يتّصل بالله سبحانه وتعالى أن يكون محطّ صداقة ومحبّة الإنسان المؤمن وهو الكائن الذي ينظر بعين الله ويحبّ في الله ويبغض في الله؟
إنّ الله تعالى علّم عباده المؤمنين فضائل الأخلاق ودلّهم على معدن الحكمة، وقد أتاح جلّ وعلا لهم أن ينطلقوا من الفضائل والحكمة إلى مشروع الصداقة وصراط المودّة والمحبة.
وهذا يعني في نهاية المطاف أن الصداقة الحقيقية والمحبة الصادقة لاتكون إلاّ لدى المؤمنين العارفين بواجباتهم وحقوقهم ولايتعدّون حدودهم، بينما الذين ينأون بأنفسهم عن محضر الله تعالى وتعاليمه القيّمة وهداه المنير، فهم إنّما يقيمون صداقاتهم ويشيّدون أسس محبّتهم على مصالحهم الذاتية وعلى الرغبات التي تبتعد في غالب الأحيان عن الحقائق المعنوية ونحن نعلم جيداً أن الرغبة لدى الإنسان عادةً ما تكون وليدة إحساسٍ مؤقّت بحاجةٍ معينة، وهي تنتهي وتتلاشى بعد تلبيتها، بينما المودّة والصداقة الحقيقية أعلى وأقدس مراتب المحبة.
حقّاً أيها الأحبة إن الاقتراب والمحبّة للآخرين تجعل الإنسان متفائلاً بالحياة، وهي بالنقيض من إقامة العلاقات على أساس الأنانية والمصلحية الضيّقة.
بلى؛ إنّ من أسماء الله جل وعلا اسم الرفيق، والرفيق الأعلى، ومعلومٌ أنه رفيقٌ بعباده بما هداهم وأنعم عليهم، وقد بعث بأنبيائه والمرسلين عليهم السلام من حيث أنه يحبّ مخلوقيه، ولاسيّما المؤمنون منهم، ومن يعرف حقيقة الربوبية، ولزوم طاعته سبحانه وتعالى، فكان من الأجدر به أن يتعلّم قواعد الصداقة والمحبة، لأن الصداقة والمحبّة حقيقتان مقدّستان، ومن العظيم أن نستفيد منهما ونستثمرهما، للارتقاء بمستوياتنا الإيمانية، والاقتراب إلى رضوان الله تبارك وتعالى، فنصادق من يحبّ الله، ويحبّه الله تعالى.