قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

كلمة (لا) عند اطفالنا. . حالة تمرّد، لنواجهها بالمرونة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / إيمان عبد الامير
يحب الأطفال الرد بـ(لا)، إلا أنهم يكرهون سماعها من الآخرين. وفي سعيهم إلى الحصول على إستقلالهم، يعتبرون أنّ الرد بـ(لا) من قِبل الأهل، يشكل تهديداً لهذا المسعى، إذ يعتبر الطفل أنّ القبول بـ(لا) من الأهل يعني الإعتراف بسلطتهم، فيحاول وضعها على المحك. وقد لا تكون كلمة (لا) هي أوّل كلمة ينطق بها معظم الأطفال. إلا أنها سريعاً ما تصبح أفضل كلمة عند معظمهم. هنالك اسباب عديدة وراء هذه الظاهرة، منها حاجته للاستقلال بنفسه والشعور بوطأة الضغوط، وقد يكون للأمر علاقة بحقيقة أنّ الطفل يسمع كلمة (لا) أكثر من سماعه كلمة (نعم) في أوساط الاسرة.
(لا) وسيلة للاستقلالية
ومع مرور الوقت، يتحول موقف الطفل الرافض من كونه مسألة فسيولوجية إلى مسألة نفسية. ومع أنّه يصبح في مقدور الطفل قول (نعم)، إلا أنّه يفضل قول (لا)، ليس من باب المشاكسة أو المعاندة، ولكن لأن تلك الكلمة الرائعة التي تدل على الرفض تسمح للطفل بالتعبير عن هويته التي اكتشفها حديثاً. فبدلاً من أن يكون مجرد إمتداد للأُم، كما كان في أيام الطفولة، يَعتبر أنّه أصبح الآن شخصاً مستقلاً يتمتع بحرِّية التصرف. سيقول الطفل (لا) لمطالب الأُم، و(لا) لأوامرها، و(لا) للحدود التي تضعها، و(لا) لأي عرض تقدمه له، حتى لو كان أحياناً راغباً فيه. ولن تكون الأُم الهدف الوحيد لمواقف الطفل السلبية، بل سيشمل رفاقه في اللعب، ومربيته أو معلمته، وإخوانه وأخواته أيضاً. وفي محاولة منه للمحافظة على حقوقه كإنسان مستقل، يصبح فجأة ميالاً إلى التمسك بكل ما يملك. ويواجه كل من يهدده بأخذ شيء من العابه او أغراضه بحزم وبرفض شديدين.
إنّ تصرف الطفل السلبي لا يعني رفضه شخص الأُم أو احد افراد العائلة، فكل الأطفال يمرون بمرحلة الرفض هذه، خاصة في بداية السنة الثانية من أعمارهم، وربّما قبل ذلك. تكون هذه المرحلة قصيرة وباهته عند بعض الأطفال، وطويلة وفظة عند أطفال آخرين. في كلتا الحالتين، لا يستطيع الطفل السيطرة على رغباته ودوافعه لمقاومة سلطة الأُم، تماماً مثل عدم قدرته على السيطرة على نموه. إنّ إختبار الطفل سلطة الأُم أمر طبيعي وظاهرة صحية، وهو شكل من أشكال التعبير عن الذات، وجزء أساس في بناء حس (الأنا) عند الطفل، وخطوة مهمة على طريق تكوين شخصيته.
إنّ اقرار الأُم بحالة الرفض الطبيعية لدى صغيرها، لايعني بأي حال من الاحوال اطلاق العنان لحالة التمرد والعناد تنمو مع نمو بدن الطفل وعقله ومداركه. هنا ترتكب بعض العوائل خطأ غير مقصود، وهو تحفيز حالة التمرد بل ودفع الطفل على قول (لا)، لتكون دلالة له امام الاخرين بانه ذو شخصية مستقلة ولا يقبل بالعروض المختلفة امامه، وهنا يكون الاصطدام مع قيم ومبادئ تسود المجتمع، فربما يواجه الطفل في مكان ما نصيحة بعدم لمس شيء او القيام بعمل ما، فالطفل المتحفز دائماً بـ (لا) لن يتوانى عن ضرب كلام الطرف المقابل عرض الحائط، وربما يؤدي ذلك الى كوارث وحوادث غير محمودة، مثل الاصطدام بسيارة في الشارع او الصعق الكهربائي وغير ذلك. في كل الاحوال يجب على الابوين وافراد الاسرة ان لا يسمحا للطفل بلعب دور المتمرد داخل الاسرة وفي المجتمع، لكن هذا لايمنع باي حال من الاحوال تنمية حسّ الاستقلالية والثقة بالنفس عند الطفل من خلال التصرف بالعابه واغراضه وتحسيسه بالتملك والمسؤولية، وبذلك يكون (الأنا) موجهاً للاغراض والجماد وليس لافراد الاسرة والمجتمع، عندها يمكن ان يكتسب حب واعجاب الجميع، عندما يروه كيف يلعب ويلاعب الآخرين وكيف يتناول الطعام بشكل مهذب وحتى كيف يجلس وغير ذلك.
متى نقول: (لا)؟
كثيراً ما يردد الأهل كلمة (لا) أثناء رعاية الطفل والإهتمام به، خاصة عندما يتعلق الأمر بصحته وأمنه وسلامته. إلا أن ترديد هذه الكلمة بكثرة على مسامع الطفل يمكن أن يثير غضبه. وحتى تكون (لا) فعالة أكثر، يجب إستعمالها عند الضرورة فقط. ولكي لا يضطر الأهل إلى قول (لا) بكثرة للطفل، عليهم إزالة كل ما يمكن أن يثير فضوله وحبه للإستطلاع، إذ يجب جعل المنزل مكاناً آمناً للطفل، وجعل الطفل آمناً في المنزل. لذا يجب وضع مزلاج على باب الحمام، ووضع الأشياء الثمينة القابلة للكسر بعيداً عن متناول الطفل، ورفع الأجهزة الكهربائية لاسيما الخطيرة مثل: المكواة او المدفأة الكهربائية والزيتية وكذلك اجهزة الحاسوب وغيرها فوق رفٍّ عالٍ. عندها، لن يضطر الأهل إلى قول (لا) لطفلهم بكثرة.
ولاننسى ان الأطفال يتعلمون من القدوة أكثر بكثير من التعليمات والتحذيرات في البيت. ولو انتبه الأهل الذين لا يسمعون إلا كلمة (لا) من أطفالهم، إلى كلامهم هم، سيجدون أنهم يرددون هذه الكلمة أكثر بكثير من كلمة (نعم). إنّ سلبية الأهل هذه تنعكس على الطفل، وتجنح به إلى السلبية والرفض دائماً. لذا على الأهل أن يفكروا جيِّداً قبل قول (لا)، هل هي في الوقت المناسب؟ وهل ثمة ضرورة لذلك؟
الكثير من الأمهات والآباء حالياً يشعرون بالضيق الى حد الانفجار من انتشار حالة التمرد والعناد عند اطفالهم، والحقيقة ان هذه الحالة لا أساس لها في المجتمع الاسلامي، فهنالك طرق واساليب إن اتبعناها بشجاعة وثقة سنجد اننا لسنا امام اطفال صغار إنما امام ماء زلال ينساب من عين صافية، ويجب ان نتذكر دائماً ان الطفل صفحة بيضاء إنما الابوان هما اللذان يتركان بصماتهما وكذلك الاقربون على هذا الطفل فيكبر ويحمل تلكم البصمات والانطباعات معه. وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال: (يولد الطفل على الفطرة حتى أبواه إما ينصرانه او يهودانه). إذن؛ لنلاحظ هذه الخطوات والاساليب علّها تكون نافعة للأم بشكل خاص كونها على تماس مباشر مع الطفل ولافراد الاسرة بشكل عام:
أولاً: العمل على مساعدة الطفل على أن يقلل من ترديد كلمة (لا). فإذا كنتِ لا ترغبين في سماع الجواب (لا)، عليك صياغة سؤالك بحذر. مثلاً: بدلاً من سؤال طفلك: هل تريد إرتداء قميصك؟، أو حتى القول له: تعال البس قميصك، يمكنك تقديم خيارين له، مثل: هل تريد إرتداء قميصك الأبيض أم قميصك الأزرق؟. في هذه الحالة، حتى الطفل الذي لا يستطيع الكلام، يمكن أن يشير إلى اللون الذي اختاره. وبدلاً من القول له: هل انتهيت من تناول طعامك؟ اذهب واغسل يديك... يمكنك سؤاله: هل تريد غسل يديك في مغسلة المطبخ أم مغسلة الحمام؟ أو هل تريد غسلهما بالصابون السائل أم بالصابون العادي؟. إنّ منح الطفل الفرصة ليختار ما يشاء، كلما كان ذلك ممكناً، يساعد على جعله يشعر بأنّه يملك حرِّية القرار وبعض السلطة على حياته، وبذلك يقلل من حاجته إلى التمرد.
ثانياً: يجب عدم منح الطفل الفرصة ليختار بنفسه عندما تستدعي الضرورة ذلك. فمن الضروري أن يوضح الأهل الأمر للطفل، عندما يكون هذا الأمر غير قابل للنقاش. فسؤاله مثلاً: هل تريد الذهاب إلى المنزل؟ عندما لا يكون أمامه خيار آخر إلا الذهاب إليه في تلك اللحظة، يبدو كما لو أنّ الأهل يدفعون به إلى العصيان. الأفضل القول له: حان وقت الذهاب إلى المنزل.
ثالثاً: عدم الضحك كلما قال الطفل (لا). فمن المهم أن يتمتع الأهل بحس الدعابة حيال سلبية الطفل، كما أنّه من المهم أيضاً ألا يضحكوا عليها. فبقدر ما يبدو الأمر مضحكاً لهم أحياناً، فالطفل لا يرى في سلبيته أمراَ مضحكاً. إنّها في الحقيقة، أمر جاد ويستحق أن تأخذه الأُم على محمل الجد وتحترمه.
رابعاً: عندما يتلقى أي شخص الأوامر بإستمرار، يمكن أن يفكر في التمرد. فبدلاً من إصدار الأوامر للطفل بالقول: حان الوقت للجلوس على المائدة لتناول طعامك، أن تتظاهر الأُم (بالغباء) وترك الطفل يرد عليها، فهذا يعطي في الغالب ثماره. لذا على الأُم أن تتحدى طفلها بسؤاله مثلاً: أين ستأخذ طعامك؟، فإذا أشار الطفل إلى المائدة، يمكنها القول حينئذ: عظيم...! هذا هو الصحيح. ثمّ تسأله بعد ذلك عن المكان المناسب لجلوسه، وعندما يستقر في مكانه لابأس بمدحه والتصفيق له، (يا لك من طفل ذكي وعظيم...). وقد نشاهد احياناً ان هذا الطفل سوف يعتاد على احضار المائدة بنفسه وإكمال مفرداتها من ملاعق وشوكات وإناء الماء وغير ذلك.
خامساً: إذا غضبت الأُم من ثورة طفلها، ستزداد الأمور سوءاً. وبما أنها هي الأكبر سناً ووعياً، عليها ألا تدفع بالأمور إلى درجة الإنفجار. عليها ألا تعاقب طفلها على مواقفه السلبية. أيضاً عليها أن تحترم حق طفلها في قول: (لا). وعندما تسمح الظروف، عليها أن توضح له أن عليه أحياناً تنفيذ ما تطلبه منه، حتى لو لم يكن راغباً في ذلك.
سادساً: من غير المقبول من الطفل قول (لا) عندما يكون في وضع يفترض فيه الطاعة، كأن يكون رابضاً في مقعده بالسيارة، أو عندما يتوجب عليه الذهاب إلى النوم، أو يتناول دواءه. ولكن هناك مناسبات حيث المخاطر بسيطة، عندها يمكنك تقبل (لا) من طفلك بالقول له: (حسناً)، أو: (لا بأس). لنفرض مثلاً أنك كنتِ تريدين التوقف عند مركز للتسوق، وأنت في طريقك إلى المنزل بعد الإنتهاء من شراء حاجاتك، إلا أن طفلك صرخ قائلاً: (لا... أريد الذهاب إلى المنزل. فإذا كان في الإمكان تأجيل الأمر، يمكنك القول لطفلك: حسناً، أعرف أنك متعَب، وأنا متعبة أيضاً. سنذهب إلى المنزل الآن. إنّ السماح لطفلك بأن يفوز أحياناً سيجعل خسارته في مرّات أخرى أقل إيلاماً. ولكن عليك الإستسلام قبل أن تتحول (لا) إلى ثورة عارمة. فالإستسلام لثورة الطفل يُعتبر خطأ كبيراً دائماً.
وفوق كل ذلك علينا ان ندرك حقيقة البراءة في الطفولة. ان الكبار دائماً يعيشون حالة التجاذب والتقاطع في الكلام والمصالح، وهذا ما حوّل مجتمعنا الى دوامة من الصراعات الجانبية بين هذا وذاك، داخل الاسرة وفي محيط العمل، ومن هذا الجو المشحون ربما ينطلق الكثير - إن لم نقل كلهم- في تعاملهم مع اطفالهم، فهم يتصورون ان كلمة (لا) من الطفل او رفضه لطلب ما، إنما هي جزء من عالم الصراع الذي يعيشونه هم، وهذه من الاخطاء القاتلة لهم وتعد بالحقيقة جناية بحق اطفالهم، فهم يصمونهم بوصمة قبيحة وكبيرة ليست في شأنهم ولا بمستوى عمرهم، وبذلك تكون النتيجة ان نرى السلوكيات الخاطئة والتنكر للقيم والمبادئ الاخلاقية وحتى الدينية على سلوك الاطفال كما نراها عند الكبار.