قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

طموحات الزواج. . التكافؤ في الاخلاق قبل كل شيء
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة * كريم الموسوي
إنّ المقبل على الزواج شاباً كان أم فتاةً، يجد صعوبات وضغوطات يفرضها الواقع تدفع به لزواج غير متكافئ، أي لا يقوم على أسس صحيحة تضمن له بقاء وإستمرار هذا الزواج. فبعد ان تدخل الفتاة في عقد الثلاثين، تبدأ بالتخلي شيئاً فشيئاً عن الصفات التي ترغب بتوفرها في شريكها، والتي كانت في سني الثامنة عشر والعشرين وبعدها، تشمخ بها وتتبختر على من يطلب يدها. ونتيجة للضغوط التي تمارس عليها داخل المجتمع والأسرة، تجد نفسها مدفوعة للقبول برجل لمجرد الزواج فقط، وكما يقولون: (رجل من عود خير من قعود)، بعيداً عن الحب والشعور المتبادل، وكذلك بعيداً عن الثقة، فهي بدلاً من ان تفكر في تشكيل الأسرة والمساهمة في بناء المجتمع المتماسك والمعطاء، تجد ان الافضل لها التفكير في اللحظة الراهنة والتخلص من الكلام والحرب النفسية التي تواجهها من هذه او تلك. والقضية ربما تنسحب ايضاً على الشاب لكن بدرجات متفاوتة طبعاً، والنتيجة واحدة، فخوض المسائل المعقدة والزوايا الحادة وعدم الخروج من النفق المظلم تجعل الانسان تواقاً للخروج الى النور بكل الوسائل والسبل. وهذا يُعد من العوامل التي تخلق لنا مشاريع زواج غير متكافئة تؤدي معظمها الى الازمات وربما الى الانفصال.
لكن قبل الخوض في مسألة (التكافؤ)، يجدر بنا السؤال؛ هل ان موضوع التكافؤ مادياً فقط، أي ان التكافؤ فقط في المنزلة الاجتماعية او في الحالة المعيشية أو في الدرجة العلمية؟ أم ان هناك أموراً أخرى؟ وهل ان المنزلة الاجتماعية والدرجة العلمية تضمن لنا التكافؤ بين الشاب والشابة في حياتهما الزوجية؟
يكفي ان نقرأ الحديث النبوي الشريف عنه صلى الله عليه وآله: (المؤمن كفؤ المؤمنة)، وقد سنّ منذ وضعه اللبنات الاولى للمجتمع الاسلامي النموذجي، السنّة الحسنة بتزويج ذات الحسب والنسب من شاب فقير لكنه مؤمن بالله واليوم الآخر، وعندما نقول (مؤمن) فنحن سنطبق على الشاب كل المعايير الاخلاقية والدينية، فان كانت متوفرة فيه فهو الافضل، لأن هذا المؤمن لن يفكر برصيده وامواله الزائلة ولا بمنزلته الاجتماعية الزائلة ايضاً، إنما بالمنهج الذي يحمله لبناء اسرته، فهو كالمهندس الذي يحمل خارطة بناء محكمة ومتكاملة في ذهنه وبحاجة الى محيط وظروف للتطبيق، لكن من يراه من بعيد يخاله انساناً عادياً. بينما الى جانبه مهندس آخر يمتلك سيارة حديثة ومظهراً جذّاباً مكوناً من حقيبة فاخرة وملابس انيقة وشعر مصفف ونظارة سوداء و... لكن دماغه يخلو من خارطة ناجحة للبناء، لأنه يفكر قبل كل شيء بالمردود المادي وليس خدمة الناس من خلال تشييد مجسر او فتح شارع او غير ذلك. فأيهما يكون أنفع للمجتمع؟
ان الخطأ الذي ترتكبه معظم الفتيات وكذلك الشباب، انهم في وضعهم الراهن يتصورون ان الدنيا متوقفة على حافة الشهادة الجامعية التي حصلوا عليها او المستوى المعيشي الراقي الذي يحظون به، وان دولاب الزمن متوقف عندهم ولن يحولهم من حال الى آخر، لذا فهم يبحثون في التكافؤ عمن يماثلهم في الشهادة الجامعية او المستوى الاجتماعي، وما ان يطرأ تحول على هذين الصعيدين وغيرهما فمن الطبيعي ان تتغير طبيعة الحياة التي يعيشونها لأنهما ربطا مصير هذه الحياة بتلك الامور القابلة للتغير والتبدّل. بينما المسائل الاخلاقية غير قابلة للتبدّل، فالشاب الغيور والمحب لزوجته وأسرته لن يتوانى عن توفير الظروف الملائمة لهم حتى وان اقتضت الضرورة ان يضحي براحته ويضاعف من ساعات عمله ليواكب صعوبات المرحلة ويواجه الظروف الطارئة.
إذن؛ نحن امام امكانية تفادي مثل هكذا منزلقات للشباب والشابات ممن يجدون انفسهم مجبرين على خيارات ليست مناسبة لهم من الناحية الاجتماعية ومن الناحية الدينية. لنأخذ مثلاً من واقع الحال ومن جانب الشاب وليست الشابة، فالامثال عن زواج الشابة بشكل غير متكافئ كثيرة نظراً لظروفها الخاصة. هنالك شاب يافع حائر الى الشهادة الجامعية وقد حُظي بوظيفة محترمة وبراتب جيد، وينحدر من عائلة متوسطة الدخل لا تشكو العوز، ويريد ان يتزوج من فتاة يشترط فيها بالدرجة الاولى ان تكون مثله حائزة على الشهادة الجامعية، وإلا فلا...! لنفترض ان هذا الشاب حقق امنيته بالحصول على الزوجة التي تماثله في المرتبة العلمية، واصبحا زوجين يحملان الشهادة الجامعية، لكن السؤال الذي سيكون امامه هو بالذات؛ هل بامكان هذه الفتاة ان تساعده في تشكيل أسرة ناجحة وقد تزوجها كونها جامعية وليست ربة بيت؟ ان اول رد فعل بديهي ومنطقي من هذه الفتاة، انها غير مستعدة للتضحية بشهادتها الجامعية والحصول على الوظيفة من اجل البيت واثاثه واطفاله والى غير ذلك، ثم اذا كان الزوج صاحب الشهادة له الحق بالوظيفة، فلماذا تحرم الزوجة من ذلك....؟!
وكذلك الحال بالنسبة للفتاة التي كما يقال (فاتها القطار)، لا يجوز ان ننظر اليها على أنها سلعة بائرة، صحيح ان الاحاديث الشريفة عن أهل البيت تحذرنا بشدة من بقاء الفتاة في البيت وتشبهها بالثمرة التي يجب اقتطافها قبل فسادها. لكن للظروف احكاماً ايضاً، وعلينا ان نتحلى بالانصاف وحسن التدبير، فرب فتاة تجاوزت الثلاثين تمتلك من مؤهلات تدبير الأسرة وحسن المعاشرة مع الزوج ما لا تمتلكه الفتاة الحديثة السنّ حتى وان كانت قلبت الكتب والنظريات والافكار، فالتجربة العملية لها قيمتها في الحياة فيما يتعلق بالتعامل مع الناس ومع صعوبات الحياة.
ان مجتمعاتنا الاسلامية لاسيما في العراق لابد ان يتخطوا حالة الصبيانية واللهو وتلبية الرغبات الجنسية والعيش في الاجواء العاطفية المتغيرة دائماً، بل ان يضعوا كل ذلك خلف أظهرهم، لأن الظروف جداً معقدة بسبب صعوبة الاوضاع الاقتصادية في عموم العالم، الامر الذي يستدعي من الجميع الانتباه للأمور التي تضمن للانسان ديمومة السعادة والدفء ثم البناء والعطاء الدائم.