خطوات نحو (التمدن الاسلامي)
أين تكمن مشكلة المدنية الغربية؟
|
*الشيخ ابو ذر الشويلي
يقف الانسان المسلم الواعي متسائلاً عن الاسباب التي تدفعه للبحث في مسألة هامة وأساس في حياته ألا وهي (التمدّن) أو (التحضّر) وكما يعرف عنها في الاوساط الثقافية بالحضارة وهي المفردة التي تقابلها (البداوة) من حيث المفهوم.
وبما اننا نخوض هذا البحث في ضوء افكار و رؤى سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي - دام ظله- في كتابه (التمدن الاسلامي - أسسه ومبادئه) ومن المفترض ان ننطلق من التجربة الحضارية في الاسلام، ايماناً منّا بان الاسلام هو صاحب الفضل في تقديم افضل واكمل حضارة للانسان، لكن مع ذلك نجد من الضروري الاشارة الى النتائج التي توصل إليها الغرب الذي يدعي صياغة حضارة ومدنية جديدة للانسان، فهل حقاً تمكنت هذه الحضارة من تحقيق التقدم والسعادة للانسان في الوقت الحاضر؟
بدايةً علينا ان نتذكر دائماً ان الحكمة تقتضي النظر في جوهر الاشياء والامور قبل مظهرها، والا يفكر الانسان بالظواهر اذا ما اراد البناء والتأسيس في الحياة، مثال ذلك الزواج وتشكيل الاسرة أو مشروع عمل وغير ذلك، فربما يكون الظاهر جميلاً ونقياً ومطمئناً لكن هذا لايمنع ولايغني عن البحث في الجذور. نحن شهدنا انطلاق المدنية الغربية بتلك السرعة المذهلة خلال القرن الماضي، وحصلت قفزات في الاكتشافات العلمية وخطوات بعيدة في الصناعة والتكنولوجيا الى جانب التحول في مجال الثقافة، حتى بات معظم المسلمين في بلادنا يعدون البلاد الغربية الكهف والملجأ الذي يوفر الامان واحترام حقوق الانسان. لكن يبدو ان عمر هذه المدنية لم يدم طويلاً فقد آلت الى السقوط والانهيار بنفس السرعة التى انطلقت بها، الامر الذي يطرح اكثر عن سؤال حول السر وراء ذلك.
والسؤال الاهم ؟ لماذا تحول العلم والمال من وسيلة مفترضة لسعادة الانسان، الى سبب وعامل لشقائه ونكبته. لنلاحظ مصانع انتاج الاسلحة في الغرب وسباق التسلح الرهيب الذي كلف الشعوب الغربية مليارات الدولارات طوال العقود الماضية. ثم لنلاحظ الازمة المالية التي عصفت بالغرب وبالعلم كله في الاونة الاخيرة.
إذن، لابد من العودة الى جذور المشكلة، فهي لسيت في ذات العلم ولا في المال وهما هبتان من جملة المواهب والنعم الإليهة للانسان، انما المشكلة والخلل في الأسس والمبادئ التي قامت عليها هذه المدنية والحضارة المصطنعة.
لقد أمسى انسان اليوم في الغرب وبفضل حضارته ومدنيته أشبه بالصامولة أو الجزء الصغير في المحرك الكبير، فهو ليس سوى اداة بين ملاين الادوات والقطع التي تحرك الماكنة الصناعية الكبرى، فلا ارادة له ولا حرية، وان حصل تقدم وتطور فهو ضمن المجتمع. ومن الناحية الثقافية يجد نفسه داخل سجن ومعتقل للافكار الجاهلية التي تعطي الاولوية للشهوات والملذات الآنية ولا مكان للعقل والتفكير المستقبلي. طبعاً هناك العديد من الاسئلة والاستفهامات امام المفكرين والفلاسفة في الغرب لاتزال دون جواب، واقصى مافعله احدهم وهو امريكي الجنسية من اصل ياباني أن بشّر العالم بنهاية التاريخ أو ما اطلق عليه في نظريته (حافة التاريخ)! انه فرنسيس فوكوياما الذي ابتدع هذه المقولة في تسعينات القرن الماضي، لكن ما لبثت نظريته ان اصابها التصدّع بعد ان وجد العالم ان امريكا التي يفترض ان ينتهي التاريخ عندها مهددة لان تكون في طيات هذا التاريخ بعد التحديات الماحقة التي واجهتها من قبل جماعات دينية متطرفة و أرهابية قادمة من الشرق الاسلامي، كانت بالامس تتغذى على اموالها وامكاناتها في سالف الزمان مثل تنظيم (القاعدة) وشخص مثل اسامة بن لادن الذي ينتمي الى بلد صديق لامريكا – السعودية- وقد اكمل تعليمه في امريكا ثم تحالف معها فيما بعد لمقارعة الاحتلال السوفيتي في افغانستان خلال الثمانينات.
ان الحضارة والمدنية الغربية على موعد مع الجوقة الموسيقية التي ستعزف اللحن الجنائزي كما عزفت للماركسية والشيوعية من قبل عندما انهارت بعد ثمانين عاماً من خداع الشعوب وتضليلها وايضا ابادتها. فالمفكرون في الغرب بعيدون عن جذور المشكلة واسباب التقهقر والتدهور في الوضع الانساني والحضاري عندهم، لذا نراهم يحاولون ترقيع الفتق هنا وهناك وتوفير القدر الممكن من الاستقرار النفسي والاجتماعي، لكن لايلبثون ان يصطدموا بمشاكل عظيمة تفاجئهم كالصخرة الكبيرة التي تعترض طريق السفينة وسط النهر ان سبب انهيار الماركسية وتفكيك الاتحاد السوفيتي السابق رغم هيبته الكبيرة وصيته الذائع ومعسكره الشرقي في اوربا، لم يكن يعود فقط الى السياسة انما في اصل النظرية والفكرة التي قامت على اساسها الماركسية التي وزعت اللقمة على افواه الناس لكن سلبت انسانيتهم وارادتهم، فلا ملكية ولاخصوصية ولا تقدم ولا ابتكار انما الصنمية والطاعة خدمة للجميع!!
هذا في الحياة الدنيا أما في الاخرة فان عليه التمتع ما امكنه قبل ان يرحل عن الحياة لأنه سيتحول الى لاشيء لانه -حسب اعتقادهم- كالشجرة وسط الغابة تحيا وتخضر ثم تموت وتندثر لتنمو مكانها شجرة اخرى وهكذا دور الطبيعة! كذلك المال بالنسبة للرأسمالية الحاكمة في الغرب فانها ومن خلال اطلاق العنان للملكية الفردية وتكريس الطبقية وفقدان العدالة والمساواة الحقيقة فانها تندفع بسرعة نحو الانهيار والدمار.
*استاذ في حوزة الامام القائم (عجل الله فرجه)
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------
|
|