قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مشكــلات السكن فـي العراق.. الأسباب والمعالجات
م. لطيف عبد سالم العكيلي
ادرك تماما ان الكتابة عن ازمة السكن في العراق امر شائك فمن الصعب الاحاطة بكافة جوانب هذه الازمة في دراسة واحدة او بحث رصين او مقال مقتضب بالنظر لكثرة الصعوبات التي احاطت ببرامج قطاع الاسكان منذ اقامة الدولة العراقية الحديثة في 23 اب 1920 م ويصح القول ان مسيرة هذا القطاع الحيوي اتسمت بملامح وتعقيدات تختلف عن تلك التي افرزتها تجارب الاسكان في المحيطين العربي والاقليمي التي عكست فاعلية ادارة هذا القطاع في اغلب بلدان المنطقة، على الرغم من حداثة تشكيل بعضها.
ولانبعد عن الواقع اذا قلنا ان صيرورة العوامل الموضوعية التي اسهمت بتفاقم مشكلات السكن في العراق يعود تاريخها الى اكثر من اربعة عقود من الزمان بسبب اخفاق الحكومات السابقة للبلاد في صياغة وبلورة رؤى بوسعها التأسيس لاستراتيجية وطنية تفضي الى النهوض بواقع قطاع الاسكان وتطوير بناه التحتية، حيث اقتصرت برامج ادارة الاسكان وخططها على اجراءات ترقيعية واصلاحات جزئية لم يكن بمقدورها مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي شهدتها البلاد ومحدودية تأثيرها.
واذا سلمنا بحق المواطن في العيش بكرامة وامان بمسكن يؤمن له الاستقرار الروحي والامن العائلي بوصفه احد الدعامات الاساسية التي تسهم باشاعة اجواء المحبة والدفء في كيان الاسرة فان الظروف القاهرة التي عاشتها بعض الشرائح الاجتماعية لاسيما الفقراء والبسطاء والمهمشين فرضت عليهم خيارات اضطرارية تمثلت باقامة احياء عشوائية متناثرة بمختلف مناطق البلاد باسلوب التجاوز على دوائر الدولة والاراضي المملوكة لها.
وليس من شك في ان ظهور هذه الاحياء السكنية التي يشار اليها بعيدا عن اللياقة باصطلاح (الحواسم) يعبر في واقعه الموضوعي عن خيبة القيادات الادارية في مواجهة ازمة خانقة تحرص جميع المجتمعات الانسانية على تقويضها بايسر السبل المتاحة.. اذ يسود الاعتقاد ان تحقيق نجاحات في عملية التصدي لها يعد مفتاحا لمعالجة كثير من الازمات التي اسهمت بالتدهور الحاصل في الخدمات البلدية والاجتماعية، فضلا عن صعوبة الاجراءات الخاصة بايجاد المناخات المناسبة لتطوير البنى التحتية. ان اتساع الفجوة بين حاجة المجتمع الفعلية للمساكن وماتحقق انجازه من وحدات سكنية على مدى السنين الماضية، افضى الى تفاقم ازمة السكن في العراق وزيادة العجز المتراكم بعدد الوحدات السكنية الذي يعكس فشل السياسة الاسكانية التي انتهجتها ادارة الاسكان في ظل مختلف الحكومات التي تعاقبت على ادارة البلاد، وحسب الاشارة الى نتائج احدى الدراسات التي جرى انجازها في عام 1996م حول واقع الاسكان بالبلاد اذ خلصت الى ان 63% من الشعب العراقي بدون سكن.
وتشير اغلب الدراسات الاسكانية الى ان عدد الوحدات السكنية المطلوب انشاؤها في العراق تتراوح بين (2.5-3.5) مليون وحدة سكنية بالاستناد على المعدل الدولي لعدد الافراد في الوحدة السكنية الواحدة، وهذا يؤشر حجم المشكلة وضخامتها، اضافة الى شمولها كل مناطق البلاد.وعلى وفق ما تقدم فأن ادارة الاسكان ينبغي ان تتبنى جهدا وطنيا مميزا للتخفيف من تداعيات هذه الازمة التي باتت تهدد مصير المجتمع بالضياع والتفكك فالعجز الكبير بعدد الوحدات السكنية في البلاد يتطلب مباشرة ادارة الاسكان باقامة مشاريع اسكانية على وفق تخطيط علمي منظم وشامل بمعدل (700000) وحدة سنويا خلال الاعوام الخمسة القادمة (2011- 2015).
ويمكن القول ان اراء اغلب الباحثين والمختصين بشأن السياسة الاسكانية في العراق تجمع على ان الاسباب الرئيسة التي اسهمت بتنامي مشكلة السكن يمكن اجمالها في المحاور التالية:
* محدودية المشروعات الخاصة بالاسكان وندرتها خلال اكثر من عقدين من الزمان بسبب توقف الدولة عن بناء المجمعات السكنية مع ارتفاع معدلات النمو السكاني.
* ارتفاع اسعار الاراضي وزيادة بدلات الايجار بسبب التشريعات القانونية التي تنظم سوق العقار الذي سادته فوضى المضاربة.
* عزوف القطاع الخاص عن المشاركة باقامة المجمعات السكنية.
* ارتفاع اسعار المواد الانشائية فضلا عن محدودية المنجز منها محليا بسبب توقف بعض المنشئات وبدائية بعضها الاخر.
*توقف المصرف العقاري عن تقديم القروض الى مستحقيها لسنوات طويلة اسهم باعاقة توجهات كثير من المواطنين في تشييد وحدات سكنية، بالنظر لضعف قدرتهم الشرائية.