الدعاء في القرآن الكريم
|
"رب زدني علما"
*صادق الحسيني
نعمة العلم و المعرفة من اكبر النعم التي خصها الله تعالى لبني البشر حين خلقهم في احسن تقويم، ولا يسعنا في مقام بيان فضل العالم على الجاهل الّا أن نشبه الاول بالحي و الثاني بالميت بكل ما للكلمة من دلالة، و لذلك جاءت الروايات تترى في الحثّ على طلب العلم بجعله فريضة تارة و السعي له ولو بالصين تارة اخرى و هكذا تتوالى الروايات بين الترغيب بطلبه و الترهيب بتركه. كل ذلك لبيان اهمية طلب العلم، ولكن ذلك لا يتم الّا بفضل من الباري عزوجل فقد يسعى الانسان جاهداً بين اروقة المدراس أو حلقات الدروس العلمية او بين صفحات الكتب دون ان يحصل على العلم و قد يحدث العكس ايضاً و قد ورد في الحديث الشريف: (ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء)، لأن الجهل هو طبيعة نفس الانسان، بينما العلم نور يدخل في نفسه، ولذا فان علم المرء سُبق بالجهل بل يبقى الانسان يجهل اموراً كثيرة مع علمه ببعض الامور، ولو كانت حقيقة نفس الانسان هي العلم للزم علمه بجميع الاشياء هذا فضلاً عن انه سيعود من بعد قوة ضعفا ومن بعد حفظ نسيانا لأنّ النور الذي يرزقه الله اياه يُسلب منه و هذا دليل آخر على أنّ العلم ليس ذات الانسان .
اذن... العلم نور يقذفه الله في قلب الانسان و كما أنّ مصدر العلم هو الله تعالى فزيادته و نقصانه بيده ايضاً و هكذا يكون الالهام الرباني للعبد المؤمن. فالالهام لا ينحصر في الانبياء و انما حتى المؤمن يُلهم احياناً لينظر بنور الله و لتجري على لسانه ينابيع الحكمة وكما في الحديث: (من اخلص لله اربعين صباحاً جرت على لسانه ينابيع الحكمة).
ولذلك فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين العبادة و بين العلم اذ أن العلم الالهي لا يكون الّا بالعبادة. يقول الله تعالى "أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب" (سورة الزمر /9).
من هنا كان على طالب العلم أن يدعو الله ان اراد زيادة في علمه من هنا نقرأ في دعاء عن الامام الصادق (ع): (اللهم صل على محمد و ال محمد وعجل فرجهم ...وارزقني علماً نافعاً)، لأنّ العلم يسمو بالانسان في الدارين، ولأن العلماء باقون ما بقي الدهر ولأن المتعلم تسبح له الملائكة و في المقابل يظل الجاهل يتبع كل ناعق و يميل مع كل ريح حتى ترمي به الى نار جنهم والعياذ بالله. و قد بين الامام أمير المؤمنين (ع) لكميل بن زياد ابعاد طلب العلم وكيف انه مقدم حتى على طلب المال حين شرع ذلك بقوله: (يا كميل العلم خير من المال...)
زيادة العلم
وكما أنّ اسماء الرب لا متناهية، كذلك مراحل العلم ليس لها حد "وفوق كل ذي علم عليم"، فالانسان يتسامى لحظة بلحظة دون نهاية ولو كان لكماله حد لاكتمل عند الانبياء عليهم السلام و الحال اننا نجد بأنهم يطلبون من الله تعالى زيادة العلم بل ومأمورون بطلب ذلك كما في الآية حيث يقول ربنا مخاطباً نبيه الكريم: "وقل رب زدني علما".
و الخطابات القرآنية هي دائماً بصيغة (اياكِ اعني و اسمعي يا جارة)، فهي و ان كان الرسول المخاطب فيها و لكنها عبرة لنا نحن السائرين على خطاه عليه الصلاة والسلام. من هنا على كل واحد منّا أن يجعل العلم هدفاً ومنهاجاً يتسلح به في مواجهة عواصف الجهل و الغفلة ثم ان لا يغتر الانسان لما يتحصله من معلومات و انما يدعو بمزيد من التواضع ان يزيده الله من العلم النافع له، وهذا ديدن علمائنا و مراجعنا العظام فقد سمعت بلحمة اذني عن احد المراجع حين اراد ان يعرف نفسه قال: (انا طالب علم و كفى بهذه الصفة فخراً...).
اننا إن لم نكن من العلماء الربانيين فلنسعى جاهدين أن نكون من المتعلمين على سبيل النجاة، و ان ندعو ربنا دائماً بأن يزيدنا من العلم و المعرفة فهو السميع العليم.
|
|