الشكر؛ جوهر الحكمة
|
*محمد صادق الخباز
يمارس الإنسان فضيلة أخلاقية نبيلة، بل ولعله أرقى الفضائل الأخلاقية، حينما يتوجه بالشكر لمن تفضل عليه بنعمة أو جميل أو موقف طيب، لأن الشكر يجسد روح الحكمة والعقل الوفير، هذه الحكمة التي ترتقي به وبحياته، حتى تجعلها حياةً سعيدة هانئة، فضلاً عن أنها تضمن له الفلاح والفوز في الدار الآخرة.
فممارسة الشكر وعرفان الجميل تعني أن الشاكر يتمتع بروح المحبة، بعد أن طرد عن ذاته صفة الأنانية والرغبة الشيطانية في نكران الجميل وتناسى فضائل الآخرين، واستغلالهم دون مقابل,, إلا أن الإنسان حين يعرف الجانب المتفضل عليه، ويعرف أو يكلف نفسه عناء معرفة النعمة والفضل والجميل الذي حظي به، فإنه يكون قريباً للغاية من ممارسة هذه الفضيلة الأخلاقية السامية.
ومن هنا، فإن الشكر صبغة نفسانية وعقلية، يؤديها من طهّر نفسه من المعايب، وطوّر قابليته العقلية. ومثل هذا الشخص تجدر به زيادة النعمة وتقديم الجميل له. وهو مصداق عملي لقوله تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنّكم"، إذن مادام الإنسان يتوجه بالشكر لله تعالى- كمصداق أول للجانب المنعم- ويعرف من يتفضل عليه، ويعرف قيمة النعمة، فله أن يتوقع الزيادة، حيث يقرّبه سبحانه وتعالى إليه ويرفع منزلته لديه.
ان الله تعالى أول من ينبغي أن يتوجه إليه الإنسان بالشكر، لأنه المتفضل الأكبر عليه، فيشكره؛ لأنه عرّفه نفسه، وسمح له بعبادته، وتفضل عليه بإرسال الأنبياء له، وجعل أهل البيت عليهم السلام هادين له؛ لئلا ينحرفوا عن الصراط القويم. وقد قال جل وعلا: "أن أشكر لي ولوالديك" والوالد الأسمى لنا نحن المؤمنين هو محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين، إذ هم الاكثر حرصاً على تحقيق السعادة والهناء لبني الإنسان. ثم نشكر آباءنا وأمهاتنا، لأنهم السبب الآخر في وجودنا في الحياة، وهم الذين قدّموا لنا مالديهم لنهنأ بالعيش، وعلّمونا حب الله وحب الحق وأهل الحق. كما علينا أن نشكر من يتفضل علينا. نشكره باللسان، وإذا استطعنا أن نرد إليه الجميل باعمالنا، ونساعده متى ما قدرنا على تقديم المساعدة.
قال سبحانه وتعالى: "ومن شكر فإنما يشكر لنفسه"، أي ان أكبر فائدة من الشكر تعود على ذات الإنسان الشاكر، ومن أعظم هذه الفوائد، كما يقول إمامنا جعفر الصادق عليه السلام أن شكر النعم الإلهية يمنع عن إرتكاب المحرمات، أي أن فضيلة الشكر إذا ما تعودّها الفرد، فهي تخلق في داخله حالةً من الخجل والحياء من الله عزوجل.. فلا يهوي إلى المعاصي، لاسيما وأن الشاكر سيتأكد شيئاً فشيئاً من أن الله تعالى غني عن الشكر، ولا حاجة له به جملةً وتفصيلاً.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن الإيمان نصفان؛ نصف صبر ونصف شكر، أي أن الإنسان المؤمن يصبر على المصاعب، فلا يتمرد على إرادة الله وإمتحانه، ويشكر على النعم، فلا يبطر ولا ينسى فضل الله عليه، كما لايغفل عن جميل غير الله.
إن القرآن الكريم وآل البيت عليهم السلام علّمانا معنى الحياة السليمة، كما علمّانا سر تحقيق السعادة، وذلك حيث نجعل من الحياة مزرعة طيبة، نحصد ثمارها في الدار الآخرة. ولعل من أفضل البذور التي يمكن نشرها في هذه المزرعة، بذور الشكر الذي نتوجه به إلى خالقنا الذي أحاطنا بنعمه، حتى صرنا نعجز عن عدّها وإحصائها، والشكر الذي نتوجه به إلى من يولينا الجميل.
ولاريب في أن هذا الشكر لايصح أن يكون باللسان فحسب، بل ينبغي أن يكون بالقلب والعمل أيضاً. فنذكر المتفضل علينا بالخير دوماً، ثم نشكر الله بما نقوم به من الطاعات والعمل بأوامره، وبعده نتحدث بهذه النعم الإلهية، فلا نتجاهلها ولاننكرها، ولا ننساها بمجرد أن نتعرض لنقص أو نعرض لابتلاء،لأننا إذا عرفنا الله سبحانه وتعالى، نعرف أيضاً أنه خلقنا في الدنيا ليمتحننا ويجزينا بأفضل الجزاء، حين ننجح في الإمتحان.
|
|