طريق السعادة و السبل الاخلاقية
|
*يونس الموسوي
هل هناك علاقة بين اجتناب المحارم وبين سمو الانسان وتكامل صفاته الأخلاقية والانسانية؟
أهل الدنيا وأصحاب النظريات الوضعية لايجدون علاقة بين الايمان وبين سمو الروح والاخلاق، فهم يذكرون أنه يمكن أن يكون المرء من أهل الدنيا ومقترف للمحرمات، ويكون في نفس الوقت صاحب أخلاق رفيعة بين الناس، كما انه يمكن أن يكون الرجل مؤمناً وهو في نفس الوقت وضيع الخلق والروح؟ فهل يمكن أن يحدث ذلك؟
في هذا الزمان العجيب.. نعم نشاهد مثيلاً لهذه الصورة التي يذكرها أهل الدنيا، فنحن نجد في الشارع من يتلبس برداء الدين والايمان، لكن روحه خالية من الأخلاق الفاضلة، أو نجد بينهم من هو متعطش لسفك الدماء وقتل الناس من الأطفال والنساء، ونرى مثالاً لهم في الذين يسمون أنفسهم بالانتحاريين الذين يعتقدون بأن مهمتهم في الحياة هي قتل الشيوخ والأطفال، من أجل غاية أسمى يعتقدون بها!
وللأسف في آخر الزمان ظهر لدينا أمثال هؤلاء الذين يدعون الايمان وأصبحوا المثال السيئ للمؤمنين الذين يتلبسون اسم الدين وينبذون جوهره، ولكن في حقيقة الأمر لايمكن عدّ هؤلاء ضمن فئة المؤمنين، حتى وإن ادعوا إلتزامهم لساناً بالعقيدة، لأن الايمان هو عمل قبل القول باللسان.
فلايكفي أن يقول المرء بأنه مؤمن حتى يصفوه بذلك، بل لابد أن يتمتع بشروط الايمان حتى يمكن أن يكون من أهله، ومن تلك الشروط ما هو مرتبط بأخلاق الانسان وسلوكه مع أفراد الأمة، واجتناب المحارم هي واحدة من شروط الايمان بل هي الطريق إلى المكارم، لذا يمكن القول أن من يجتنب المحارم هو حسن الأخلاق، نقي السريرة يسمو بأخلاقه إلى درجة الأولياء.
ولكن من المهم أن نعرف العلاقة العضوية بين الاجتناب عن المحارم والحصول على المكارم، فالرابط بينهما هي ارادة الانسان، فالذي يجتنب المحارم يكون لديه ارادة قوية على منع نفسه عن كثير من المكاره والأمور التي لايرغب بها أو يعدها منكرة، فهو قادر أيضاً على مواجهة ميول نفسه ونزوعها نحو السجايا الذميمة، فهو متواضع لأنه يقدر على كبح التكبر في نفسه، وهو كريم لأنه يقدر على مواجهة البخل في نفسه، وهكذا نجد هذا الإنسان قادر على فعل ما لايستطع الآخرون القيام به بفضل قدرته الفائقة في التحكم بارادته وبنفسه الأمّارة.
وبخلاف هذا الإنسان الآخذ بزمام نفسه، نجد أن الذي لايجتنب المحرمات هو فاشل أيضاً في السيطرة على نفسه في مجالات أخرى، بما فيها المجالات الدنيوية، فهو عاجز عن العمل لأن نفسه تهوى الكسل والراحة، وهو عاجز عن الدراسة لأن نفسه تحب الانفلات وعدم التقيد والإلتزام بطلب العلم أو غيره، وهو عاجز عن تحمل المسؤولية لأن ذلك يتطلب منه القيام بأعمال ومهام هو لايريد أن يفعلها. وهكذا يصل الإنسان الذي لايتورع عن ارتكاب المحارم إلى أسوأ درجة من الانتماء الانساني لسبب مهم ورئيس هو: ترك القياد لنفسه تلعب وتمرح كما تشاء من دون ضابطة.
وهكذا تبين لدينا أن اجتناب المحارم ليس ينفع دين الانسان فحسب بل هو نافع لدنياه كما لآخرته. وقد ورد في حديث الإمام علي عليه السلام: (إذا رغبت في المكارم، فاجتنب المحارم) وهذا يعني أنه لو أراد إنسان غير معتقد بدين أن يسمو ويرتفع بمكارم الأخلاق والعادات، فما عليه إلا إجتناب المحارم، ففضلاً عن أن إجتناب تلك الأمور هو بحد ذاته يرفع مجد الانسان ويخلص سمعته، فإن هذا العمل من شأنه أن يقوي إرادة الانسان على فعل أي شيء تسوفه النفس.
ولو نظر الإنسان في المحرمات، لوجد أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم إلا ما هو مذموم وقبيح ولايصح أن يأتي به إنسان سوي، فمن تمام عقل الإنسان هو إجتناب المحارم، لأن العاقل يعرف بأن المحرمات هي أمور سيئة ولاينبغي أن يفعلها وفي هذا قال الإمام علي عليه السلام: (لو لم ينه الله سبحانه عن محارمه لوجب أن يجتنبها العاقل).
فلو أخذنا على سبيل المثال محرمٌ واحد حرمه الله على البشر وهو (شرب الخمر) فبعد تقدم الانسان في علم الطب والتغذية لم يعد خافياً على أحد الأضرار التي يسببها تناول الخمر على الصحة البدنية والنفسية للانسان، والأخطار الكبيرة التي قد تنجم عن القيام بمثل هذا الفعل، وفقدان الإنسان السيطرة على نفسه وعقله وامكانية إرتكاب الجرائم في تلك الفترة التي يكون فيها الانسان فاقداً للشعور والاحساس بالآخرين.
عندما ترى أمامك في الشارع رجلاً قد تناول شيئاَ من الخمر والعياذ بالله، وقد فقد توازنه وسيطرته على نفسه، كم ستهبط قيمة هذا الانسان أمام الآخرين؟ وإن قال البعض إنه قد يفعل ذلك داخل، ولن ينظر اليه أحد، فان المصيبة أعظم، لأن الأسرة ستكون الضحية وعليها أن تتعامل مع انسان فاقد الشعور وعديم المسؤولية، كأن يكون في مقام الأب أو الأخ – والعياذ بالله-، وهو بذلك سيجني أيما جناية على الطفل والأم وبقية أفراد العائلة.
وهكذا بالنسبة للالتزام بالضوابط الاخلاقية والشرعية فيما يتعلق بالعلاقات بين الجنسين، فاذا نأتي بعملية حسابية ونعدّ النواهي فيما يتعلق بالعلاقات بين الجنسين، وأيضاً نعدّ الامتيازات والمنح المتعلقة بهذا الموضوع، نرى إن كفة الأخيرة ترجح على النواهي، فالاسلام ليس فقط يأمر بالزواج لإبعاد الزنا عن حدود المجتمع الاسلامي، إنما يوصي أيضاً بالاختيار المسبق وحتى الدقيق، وإلا كيف تُعرف الولود أو الودود أو العزيزة عند أبيها.. كما جاء في حديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟ وفي الوقت الذي نهى الاسلام المرأة والرجل أو الفتاة و الشاب من التعامل المباشر والاقتراب من بعضها دون وجود صلة رحم، فانه في الوقت نفسه منح لكلا الجنسين أدواراً واعمالاً كبيرة ومهمة يقومان بها في المجتمع، فاذا عكفا على هذه الأدوار، تكون كافية لأن تنقل المجتمع الى حيث التقدم والرفاهية والسعادة.
|
|