قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

التقاعد بين فرص استمرار العطاء و ترهّل الرعاية الحكومية
تحقيق: علي حسين الجبوري
هنالك اسئلة كثيرة تطرح حول شريحة المتقاعدين الذين أفنوا زهرة شبابهم وبذلوا ذروة طاقاتهم وقدراتهم في مختلف ميادين العمل، ومنها في الدوائر الحكومية او المؤسسات الانتاجية، وكانت لجهودهم المبذولة وخبراتهم المهنية دور كبير في بناء البلد و وضعه على عجلة التقدم والازدهار، وما ينتظره هؤلاء – وهم في خريف العمر- الالتفاتة من قبل المسؤولين بمراعاة حقوقهم المادية، ومن قبل المجتمع بمراعاة حقوقهم المعنوية، ليواصلوا حياتهم الطبيعية، ويبقى لتواجدهم بين شرائح المجتمع، أثر فاعل ومفيد.
(الهدى) استجلت آراء وأفكار عدد من المواطنين والخبراء حول الطريقة الفُضلى للتعامل مع قضية التقاعد كفكرة واستحقاق وحتى كمعضلة كما يصفها الكثير الآن – مع الأسف-..
الحاج (حامد عودة - 65 عاماً) وهو مدرّس متقاعد حالياً، وهو أول من إلتقيناه، لم يتوانَ من مزاولة العمل رغم كبر سنّه، وقام بالخطوة التي يخطوها اليوم معظم أصحاب البيوت الكبيرة تقريباً، حيث استفاد من الواجهة الأمامية لداره ليحول الجدار الى محل تجاري يبيع فيه مواد غذائية بسيطة في تنوعها ما يمكن تسميته بـ(ميني سوبر ماركت)، و بالرغم من أنه رجل كبير في السن ولكنّه يعدّ العمل (ضرورة ملحّة للاستمرار في الحياة).
وعندنا في العراق، يقضي قانون التقاعد على المواطن التخلّي عن العمل في دوائر الدولة عند بلوغه سن الثالث والستين، حتى وإن كانت من ذوي الكفاءة والخبرة العلمية.
ويضيف الحاج حامد: (أرى أن عملية التقاعد نهاية غير منصفة للمدرسين مثلاً؛ لأن هنالك الكثير من المعلمين أو المدرسين تراه في حالة نشيطة وكفاءة عالية تؤهله لممارسة العملية التعليمة بالرغم من أنه في السبعين من عمره ولكن قانون التقاعد يجبره على التقاعد في سن الثالث والستين وبذلك نكون قد خسرنا ثروة علمية كانت لترفد المجتمع بعطائها وخبراتها لو لم تقصَ عن العمل).
وحول أهمية دور المتقاعدين في نقل الخبرات والتجارب السابقة للجيل الجديد، ونوع المعوقات والمشكلات التي تواجهها هذه الشريحة؛ يواصل الحاج حامد حديثه، بان (مرحلة التقاعد تترك فراغاً كبيراً لدى الفرد يضطر فيها إلى مزاولة عمل معين يحفزه على البقاء والتواصل مع الحياة وأنا على استعداد لتقديم خبراتي التدريسية للمدرسين الجدد)، ويشير، (إن مشكلة التقاعد ليست المال وحدها وإنما هنالك من يحتاج إلى الرعاية الصحية أو السفر والترفيه، فضلاً عن احتمال حصول الأزمات النفسية للمتقاعد نتيجة تركه للعمل والجلوس في البيت على عكس ما كان عليه في مرحلة الشباب واندفاعته الأولى).
بالمقابل يبيّن (جليل حسن -50 عاماً)، مهندس زراعي متقاعد (بأن مرحلة التقاعد مهمة للفرد من جوانب عديدة منها أنه وصل إلى عمر يكون بصحة غير جيدة او متقلبة فضلاً عن فسح المجال للجيل الجديد ليحلّوا محله مع امكانية تقديم خبراته وتجاربه لهم ضمن المؤسسة التي يعمل بها أو تخصيص منظمات تسهل من عملية تواصل الكبار وذوي التجارب القديمة مع العاملين الجدد).
ويقول المهندس جليل: (نتيجة للظروف التي طرأت علينا في زمن النظام السابق اضطررت إلى التقاعد من عملي والتوجه إلى عمل حرّ يدر عليّ بمال أكثر يكفيني للعيش مع أبنائي برفاهية، ورغم ذلك فأنا أتمنى أن أعود لعملي السابق لما له من مميزات نفسية واجتماعية فليس المال وحده الذي نجنيه من عملنا وإنما التواصل ورفد المجتمع بالطاقات والخبرات هو الأهم بالنسبة لي خاصة ونحن في بحاجة إلى بناء بلدنا والارتقاء به).
وعن التساؤل الذي طرحناه على بعض المتقاعدين حول اختيارهم العيش على راتب التقاعد بصورة كاملة أو تفضيلهم للعيش بين الأبناء والأحفاد، يجيب (محمد خميس - 57 عاماً) وهو عسكري متقاعد ويعمل فلاحاً في الوقت الحالي، (أفضّل في هذه المرحلة من العمر العيش على راتب التقاعد مع ما أجنيه من عملي في الزراعة من دون الاعتماد على أولادي في هذا الجانب، وأعتقد أن راتب التقاعد مهم لنا للعيش مرفهين مع عوائلنا بصورة مستمرة، والحقيقة فقد عشت حياةً صعبة بعد تقاعدي في زمن النظام السابق حيث المرتب القليل الذي لا يكفي لسدّ المعيشة، أما الآن فهناك تحركات مثمرة للمسؤولين من باب زيادة الرواتب مع ما يتناسب والحاجات المعيشية).
وعلى صعيد حاجة شريحة المتقاعدين إلى التفاتة الدولة والمجتمع لهم وضرورة الاعتناء بهم من قبيل إقامة احتفالات التكريم وتقديم الشهادات التقديرية لهم أو من خلال تشكيل نقابة للمتقاعدين تهتم بأمورهم وتبين دورهم وأهميتهم في الحياة؛ يؤكد المحامي (حامد عباس)، على ضرورة تعويض المتقاعدين وتقديم الرعاية لهم مقابل ما قدموه خلال سنين عملهم من الطاقات والجهود التي أسهمت في بناء البلد، وعملية الاحتفاء بهم وتكريمهم أمر مهم لإعطائهم الأمل في الحياة، وقال: (لذا لابد من توفير سبل الرفاهية والراحة لهم أما من خلال زيادة راتب التقاعد وتوفير مكان يمارسون فيه هواياتهم، أو تشكيل نقابة تهتم بمشكلات المتقاعدين وتكون حلقة وصل بين المسؤولين وشرائح المجتمع الأخرى أسوة ببقية شرائح المجتمع مثل المعلمين أو المهندسين أو الصيادلة وغيرهم).
ويقول الإعلامي (علاء السلامي)، (نظراً لحساسية مرحلة التقاعد في عمر الإنسان الموظف والعامل ضمن قطاعات الدولة المختلفة، لابد من الجهات ذات العلاقة دراسة هذا الموضوع بشكل عملي، ففي حال استغلال وقت المتقاعد بشكل امثل، واستثمار هذا الكم الهائل من الفراغ الذي يمر بها المتقاعد، فان من شأن هذه الاعمال ان تدر عليه دخلا اضافيا، خاصة مع تدني بعض الرواتب التقاعدية لبعض الموظفين الذين يعيلون أسرة كاملة، وبما يتناسب وعمر المتقاعد الذي اقترح النظر في السن التقاعدية المخصصة ضمن القانون).