العلم والدين.. وواجباتنا كأمة!!
|
*طاهر القزويني
لا أظن أن مبحث العلم والدين سينتهي في يوم من الأيام، ذلك أنه متجدد مع تجدد العصر والزمان، والتجارب الكبرى التي تعيشها الأمم وثم محاولتها الإجابة عن التساؤلات الحساسة المتعلقة بهذا الموضوع.
فكما يبدو أن البعض من المسلمين والكثير من الغربيين يحاولون أن يفصلوا ويقطعوا الرباط العتيد بين العلم والدين، ليكونا في طريقين منفصلين، وأحياناً يصلا الى نقاط تقاطع واصطدام لوجود ما يُدعى بالتناقض والتعارض في الأسس والمبادئ والمنهج.
هذه كلها تصورات بشرية إن كانت نابعة من أناس مسلمين أو علمانيين غربيين، فالمسلمون المتخوفون من العلم هم الذين فهموا وتعرفوا على ظاهر النص الديني وأغلقوا أذهانهم على هذا المستوى، وحرموا أنفسهم من الاستفادة من أي علوم أخرى قد تنفعهم في اطروحتهم الدينية أو الدنيوية.
أما العلمانية الغربية التي هي تمثل نوع من الثورة على المقدسات الدينية، تجد في نفسها الأهلية لمواجهة متطلبات الحاضر والمستقبل، ذلك أنها منفتحة على حقائق العلم والواقع، بينما الدين أغلق البحث العلمي وخلع على نفسه قيماً أضفى عليها صفة القدسية ومنع حتى النقاش فيها.
ثورة العلمانية على الكنيسة تكاد تكون مفهومة تاريخياً، ذلك أن الكنيسة وضعت نفسها أمام طريق العلم وحرمت البشرية كلها من الاستفادة منه، فأعطت القدسية لسلوكها وتصرفاتها وحرمت أي انسان من مناقشة ذلك مع أن أفكارها لم تكن سوى حصيلة أفكار الكهنة والقساوسة، بمعنى أنها لم تكن من وحي السماء والتعاليم الدينية لتستحق صفة القدسية.
أما بالنسبة للاسلام وإن كنا نعترف بأن الكثير من فئات الأمة الإسلامية يضعون عراقيل حقيقية أمام البحث العلمي خشية المسّ بالمقدسات الموهومة حسب تصوراتهم، لكن الإسلام بشكل عام لم يكن هذا موقفه من العلم، فقد أفسح المجال للبحث العلمي والحوار إلى مديات لا بأس بها، وذلك حتى في إطار البحث عن الخالق والمكون والموجد، فإننا في حلقة من حلقات البحث العلمي نجد أن ابراهيم الخليل عليه السلام يظهر بصورة الجاهل بحقيقة الخلق، فيتساءل عمن خلقه وعن من أوجده، وهل هو القمر أم أنها الشمس أو غيرها من الكواكب الأخرى، ألم يكن إبراهيم الخليل عليه السلام يعرف ربه حتى يتساءل بتلك الصورة؟
كان يعرف ربه يقيناً، لكن ضرورة البحث العلمي أو الحوار العقلي الذي أجراه مع المشركين كانت تتطلب منه التنازل إلى نقطة الصفر ثم الصعود معهم إلى أعلى نقطة في البحث وهي إثبات وجود الصانع الذي لايغيب عن الأنظار.
وأقول هل المسلمون اليوم مستعدون أن ينطلقوا من نقطة الصفر حتى يصلوا في الحوار العقلي والعلمي إلى ذروته، أنا أشك في وجود الكثير من هؤلاء بين صفوف المسلمين، ذلك أننا نشاهد المسلمين لا يسمع أحدهم صوت الآخر، فكيف به سيسمع صوت المشرك أو الكافر أو الكتابي أو غيره، ولاعجب أن نشهد إنتشار الفكر التكفيري الضال بين المسلمين، وذلك أنهم أغلقوا صوت العقل في قلوبهم، وبدأت تحركهم نصوص لم يكونوا قادرين على فهمها بالأساس.
وقد بعث الله سبحانه وتعالى نبياً أمياً، لتظهر معجزة الإسلام العلمية والعقلية بكل أبعادها، فلو كان النبي كاتباً أو شاعراً أو خطيباً لقالوا انه ابتدع الإسلام وكتب القرآن الكريم، لكنه لم يكن كذلك، لذا لن يتجرؤا بالتفوه بمثل هذا الكلام.
وأول سورة نزلت كانت حول العلم والقراءة، وأن الله هو المعلم وأن الإنسان هو التلميذ: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق/ 1-5).
فحقائق العلم تسير في اتجاه واحد مع حقائق الدين وليس هناك أي تعارض بينهما، بل العلم هو الذي يدعم ويقوي ويؤازر المفاهيم والقيم الدينية، ونحن نشهد في هذا العصر بالذات إكتشافات علمية كثيرة وهي تؤيد ما ذهب إليه الإسلام قبل آلاف الأعوام، وليست بعيدة عنّا المعاجز القرآنية التي تظهر على صفحة وسائل الاعلام يومياً.
وفضلاً عن مشاريع ومساعي الدفاع عن القيم الدينية والسعي لمطابقتها وحقائق العلم، فإننا نريد أيضاً الاستفادة من منجزات العلم الحديث، وندخل بعض العلوم إلى حياتنا حتى نستطيع أن ننهض ونخرج من سبات التخلف الذي تعيش فيه أمتنا.
ولانقصد بالعلم، المنجزات الصناعية التي دخلت بلداننا على شكل تكنلوجيا حديثة مثل الآلات الثقيلة والأجهزة الالكترونية الدقيقة، ومختلف أنواع الصناعات المتقدمة، إذ نجد اليوم أن الشعوب التي حصلت على مثل هذه التكنولوجيا وعلى مظاهر التطور والتقدم، مازالت تعشعش فيها الأفكار الظلامية والتخريبية وعلى رأسها الفكر التكفيري الجاهل الذي لا مكان له لا في الدين ولا في العقل البشري.
فالدول والشعوب التي تستورد التكنلوجيا الحديثة هي في الواقع لاتستفيد من العلم والتقدم الحضاري، لأن المشكلة في بنيتها الفكرية والعقلية، وهي بحاجة إلى تغيير الأساس والمناهج العليا من أجل إحداث تغيير بسيط في عقل هذا الإنسان المتخلف الذي لايفهم إلاّ الشكل السطحي من الدين ولايدرك بعقله ولا بالنصوص التي لديه أن دين الإسلام هو دين رحمة ورأفة للعالمين كافة وليس للمسلمين خاصة.. ولكن أين العقل الذي يمكن أن يدرك ذلك؟!
|
|