حبيب بن مظاهر الأسدي..
الشهيد الشاهد على الخذلان والهزيمة
|
*سعد مغيمش الشمري
كان لأصحاب الحسين (ع) دور كبير وتاريخي في سبيل الدعوة الى الاصلاح والهداية، فلم يكن من السهل عليهم أن تضل أمة كبيرة من الناس طريق الحق ونهج الرشاد، لذا فقد جاهدوا بالدعوة الى الله سبحانه وتعالى بكل ما أوتوا من قوة وقد أثمرت جهودهم في تلك الملحمة، وإن سجل التاريخ مثلبة لأهل الكوفة لخذلانهم الإمام الحسين (ع) بعد أن وعدوه بالمآزرة على بني أمية، فنحن نسجل مناقب لعدد من رموز أهل الكوفة وإن كانوا قلة، لكنهم بقوا شمعة وسط الظلام.. ومن هؤلاء حبيب بن مظاهر الأسدي الذي شكل مع عدد من الكوفيين الآخرين المنضوين تحت لواء الإمام الحسين (ع) منعطفاً تاريخياً حاسماً في تاريخ هذه المدينة، فظلت دماء حبيب ومسلم بن عوسجة والحر وآخرين تغلي حتى أنفجرت ثورات وانتفاضات متتالية عمّت الارجاء وهزت اركان الحكم الأموي حتى السقوط.
إنه حبيب بن مظهر أو مظاهر بن رئاب الأسدي، ويكنى أبا القاسم. ويقال له أيضاً سيد القراء لأنه كان يختم القرآن في ليلة واحدة بعد صلاة العشاء حتى مطلع الشمس.
تشرف حبيب بن مظاهر بخدمة الرسول الأعظم (ص) وكان من أصفياء اصحاب أمير المؤمنين، وكان على نهج رسول الله (ص) وعلى نهج علي وأهل البيت (ع) و وقف مع الإمام الحسن (ع) في تصدّيه لمعاوية الذي تآمر على الإسلام، كما كان مع الإمام في سلمه وصلحه، وفي المهام الرسالية والجهاد والقتال في سبيل الله، حتى إنه بعد انجلاء غبار معركة صفين رأى الإمام علي (ع) حبيب بن مظاهر يبكي بكاءً شديداً فقال له: لماذا تبكي يا حبيب؟ فقال: ولم لا أبكي وشاركت معكم في معارك كثيرة ولم أوفق للشهادة في سبيل الله وبين لوائكم؟ فأجابه الإمام (ع): يا حبيب! إدخرك الله ليوم أفضل من هذا اليوم/ ولشهادة أكبر من هذه الشهادة، يا حبيب.. ستنال وسام الشهادة مع ولدي الحسين في أرض يقال لها أرض (كرب وبلاء) في وقت يقلّ فيها الناصر لنا وانت تلبي النداء وتستشهد مع ثلة قليلة ممن تمسكوا بالله وتمسكوا بنهجنا. وبالفعل فقد تحقق ما قاله الإمام علي (ع) للفقيه المقدس حبيب بن مظاهر، فلقي ربه مضرجا بدمائه في أرض كربلاء المقدسة وبين يدي الإمام الحسين .
وقد شارك حبيب بن مظاهر مع الإمام علي (ع) في حروبه كافة، كما تشير الى ذلك المصادر التاريخية، وكان من اصحاب الحسين (ع) السبعين الذين نصروا الإمام الحسين (ع) وكان من الذين استقبلوا الرماح بصدورهم بالإيمان والسيوف بوجوههم المشرقة. حيث أنه كان من الذين كتبوا الى الإمام الحسين (ع) يدعونه للمجيء إليهم، وقد كان حبيب بن مظاهر يأخذ البيعة مع مسلم بن عقيل في الكوفة للحسين (ع) حتى جاء ابن زياد وخذل أهل الكوفة مسلماً، فأخفته عشيرته، فلما ورد الإمام الحسين (ع) الى كربلاء أتفق حبيب مع مسلم بن عوسجة على مغادرة الكوفة فأخذا يسيران في الليل ويكمنان في النهار حتى وصلا الى الإمام الحسين (ع).
ورب سائل يسأل: لماذا لم يناصر حبيب رضوان الله عليه مسلم بن عقيل وبخاصة انه كان يأخذ البيعة مع مسلم في الكوفة للحسين (ع) ؟
وقد أجاب احد علمائنا الكرام عن هذا السؤال: لأنه وعدداً آخر من الصفوة اعدوا انفسهم للشهادة بين يدي الحسين عليه السلام، اقول: وهذا وحده لا يكفي للاقناع، لان حادثة الحسين (ع) كانت في ضمير المستقبل بالنسبة إليهم، ولم تحدث بعد، ولم يكونوا يعلمون من حصولها شيئاً. فكيف نقبل بفكرة أنهم – حبيب وأصحابه- قصدوا كربلاء بقصد القتال بين يدي الإمام الحسين (ع)؟
ولكن تفصيل الجواب ان يقال: ان المخلصين الكاملين كانوا قلة لا يستطيعون وحدهم الدفاع عن مسلم بن عقيل ولا حفظ حياته وحياتهم؛ وذلك بعد أن رأوا فشل الحركة وتفرق الناس عنه، لليقين بكونه مقتولاً لا محالة، حتى ولو كانوا هم إلى جنبه فانهم سيقتلون معه أيضاً، مضافاً إلى عزمهم التوجه الى عرصات كربلاء والانضمام الى الملحمة الكبرى، فإنهم كانوا عالمين بقرب وصول الإمام الحسين (ع) إليهم بالرغم من طول السفر وبعد المشقة. اذن فلعلهم يستطيعون رؤيته او معونته او نصرته او امتثال اوامره، فينبغي لهم في التكليف الشرعي الذي يعرفونه، ان يحافظوا على حياتهم الآن ليطبقوا مثل هذا التكليف في المستقبل عند لقاء الحسين عليه السلام.
*دعوة حبيب لبني أسد
لما وصل حبيب مع مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليهما) الى الحسين (ع) ورأى قلة انصاره وكثرة محاربيه قال للحسين (ع): إن ها هنا حياً من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم الى نصرتك لعل الله أن يهديهم ويدفع لهم عنك.
فأذن له الحسين (ع) فسار إليهم حتى وافاهم وقال لهم: يا بني أسد.. إن الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) قد نزل عليكم وقد طوقه الأعداء ليقتلوه فأتيتكم لتمنعوه، وتحفظوا حرمة رسول الله (ص) فوالله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة. وقد خصصتكم بهذه المكرمة لأنكم قومي وأقرب الناس إليّ، فقال عبد الله بن بشير الأسدي: شكر الله سعيك يا أبا القاسم فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثرها المرء، أما أنا فأول من أجاب، وأجاب جماعة فواكبوا حبيب وانسحب رجل فذهب الى ابن سعد واشياً، فارسل الأخير بناء على هذه المعلومة الأزرق مع خمسمائة فارس فعارضهم ليلاً ومانعهم، فلم يمتنعوا فقاتلهم فلما علموا أن لا طاقة لهم تراجعوا في ظلام الليل وعاد حبيب الى الحسين فأخبره بما كان فقال الإمام (ع): (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله).
*في وسط الملحمة
لما أصبح الإمام الحسين (ع) يوم العاشر من محرم كان معه أثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً فجعل زهير بن القين على ميمنة اصحابه وجعل حبيب على ميسرة اصحابه وجعل الراية بيد أخيه العباس (ع) ولما رمى عمر بن سعد بسهم نحو الحسين (ع) بدأ القتال، فصار التنافس بين العباس (ع) وحبيب، كل طرف يقول: أرواحنا فداء لك يا ابا عبدالله الحسين.
وعندما صرع مسلم بن عوسجة الاسدي مشى اليه الحسين (ع) وحبيب فدنوا منه، وقال له الإمام (ع): عزّ علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة، فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشرك الله بالخير، فقال له حبيب: لولا أعلم أني في أثرك لأحببت أن توصني بشيء مما يهمك.. فقال مسلم مشيراً الى الإمام الحسين (ع): أوصيك بهذا أن تموت دونه.
خاض حبيب بن مظاهر عباب الموت فقتل أثنين وستين رجلاً من جيش الاعداء فحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط الى الأرض وذهب ليقوم وإذا بالحصين يضربه بالسيف على رأسه فسقط لوجهه فنزل اليه التميمي واحتز رأسه، فقال له الحصين: إني لشريك فأعطه لي أعلقه في عنق فرسي كي يره الناس ثم خذه أنت الى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما يعطيك من أموال!، وهذا اذا دل على شيء فإنه يدل على الحقد الذي يكنه الحصين ومن هو على نهجه لحبيب (رضوان الله عليه)، لما لهذا الرجل من مواقف عظيمة ضد هؤلاء المنافقين منذ زمن النبي (ص) وتتبعاً الى مسيرة العترة الطاهرة التي تشرف بالانضمام تحت لوائها فقد عاصر الإمام علي والحسن (عليهما السلام) ونال وسام الشهادة على يد الولاية الحسينية المباركة فهنيئاً له الجنة، بعد إن قضى 75 سنة، ورحمه الله وجعله شفيعاً لنا في الآخرة.
|
|