الأول من ذي الحجة ذكرى زواج النور من النور..
علي و فاطمة .. نموذج الحياة الطيبة على مر التاريخ
|
*ضياء باقر
لقد عُنِي الإسلام بتكوين الأسرةِ المسلمة واستصلاحِها؛ لأنَّ الأُسَرَ أساس المجتمع الذي يقوَى ويشتدّ بقَدر التماسُك وترابُط أُسَره، ولذا شبَّه النبيّ المسلمين بالبُنيانِ المرصوص الذي يشدُّ بعضه بعضًا، فأمر بتزويجِ الأكفَاءِ، ونهى عن عَضلِ النساء، وبيَّن في الكتابِ والسنة الحقوقَ والواجباتِ بين الزوجين، ذلك أنَّ استقرار البيوت وصلاحَ الأسَر لا يكون إلاّ باستقرارِ الزوجين ونجاحِهما في حياتهما الزوجيّة. كما أنَّ فاقدَ الشيءِ لا يعطيه، فالأب والأمّ التعيسَان في حياتهما الزوجيّة لن يقدِّما لمجتمعِهما شيئًا، ولا ينشِئا أجيالاً صالحِين قادِرين على البناءِ والقيادَة. فالزواج الناجحُ نجاحٌ للمجتمَع، أمّا خراب البيوتِ فهو خرابُ الدّيار، و الزواج كالصلاة والصوم لابد من جعل المقدمات الصحيحة لكي يصح مابعدها وإن من أهم المقدمات الدين والأخلاق وحسن السيرة والحسب والنسب وغيرها من الصفات التي تمهد لبناء علاقة مبنية على اساس الثقة والصراحة والحوار ليتسنى للوالدين مد جسور العلاقة الصحيحة للوصول بالأبناء الى التربية الصحيحة وانتاج أبناء ناجحين وصالحين قادرين على مماسة حياتهم ومواجهة ظروف الحياة.
*خطوبة الزهراء إنموذجاً..
لقد تنافس كبار قريش وغيرهم على خطوبة الزهراء (عليها السلام) لشرف الاقتران بها كزوجة، وهذا الأمر لم يكن اعتباطاً بل لما كانت تحمله هذه الفتاة من رفعة وخصال أخلاقية عظيمة وصفات خصها الله تعالى بها، وسيرة ذاتية معطرة حتى نالت وسام سيدة نساء العالمين، ولكن هل وافق النبي (ص) على أي خطيب يتقدم لها؟
بالطبع كلا، فقد جاء لخطبتها نفر غير قليل وقد جاء ابو بكر وعمر وآخرون كل يخطبها لنفسه إلا أن الرسول (ص) كان يعتذر عن الاستجابة لطلبهم، ولكن ماذا حصل عندما تقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لخطبتها؟
لقد روي السيد الأمين في المجالس السَنيَّة ما مُلَخَّصُهُ: جاء علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و هو في منزل أم سَلَمة، فَسلَّم عليه، و جلس بين يديه، فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): (أتيت لحاجة)؟ فقال (عليه السلام): (نعم، أتيتُ خاطباً ابنتكَ فاطمة (عليها السلام)، فَهل أنتَ مُزَوِّجُنِي )؟ قالت أم سلمة: فرأيت وجه النبي (صلى الله عليه وآله) يَتَهَلَّلُ فرحاً و سروراً، ثم ابتسم في وجه علي (عليه السلام)، و دخل على فاطمة (عليها السلام)، و قال لها: (إن علياً قد ذكر عن أمرك شيئاً، و إني سألت رَبِّي، أن يزوجكِ خير خلقه فما ترين ؟)، فَسَكَتَتْ (عليها السلام)؛ فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله )، و هو يقول: (اللهُ أَكبر، سُكوتُها إِقرَارُها)؛ فعندها أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة، لِيُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة لعلي (عليهما السلام)؛ فلما اجتمعوا قال (صلى الله عليه وآله) لهم: (إن الله تعالى أمرني، أن أُزَوِّج فاطمة بنت خديجة، من علي بن أبي طالب )، ثم أبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) علياً بأن الله أمره، أن يزوجه فاطمة على أربعمائة مثقال فضة، و كان ذلك في اليوم الأول من شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة.
*طلب الإمام علي (ع) والمشيئة الإلهية
حقاً لقد كان أمراً إلهياً ففي رواية ان جبرئيل (ع) جاء الى النبي (ص) قبل ان يأتي علي (ع) لخطبة فاطمة فقال جبرئيل للنبي (ص): إن الله يأمرك ان تزوج النور من النور، زوج علي من فاطمة.
إن هذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية، يَستَثِير أَمَامنا سؤالاً مهماُ، و هو: لماذا لم يُرَخَّصُ لفاطمة (عليها السلام) بتزويج نفسها؟ و لماذا لم يُرَخَّص للرسول (صلى الله عليه وآله)، و هو أبوها و نَبِيُّها بتزويجها – و النبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم – إلا بعد أن نزل القضاء بذلك ؟
والجواب: أنه لا بُدَّ من وجود سِرٍّ و حكمة إلهية، ترتبط بهذا الزواج، و تتوقف على هذه العلاقة الإنسانية، أي علاقة فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بابن عمّه و أخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام )، الذي كان كما يُسمِّيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بـ( نَفْسِه) و هو الذي تربَّى في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله )، وعاش معه، و شَبَّ في ظلال الوحي، وَ نَمَا في مدرسة النبوة .
وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق علي و فاطمة (عليهما السلام)، و يكون منهما الحسن و الحسين (عليهما السلام)، سيدا شباب أهل الجنة أئمةً، و هُدَاة لِهَذه الأمّة، و لهذا كان زواج فاطمة (عليها السلام) أمراً إلهياً، لم يسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه، و لم يتصرَّف حتى نزل القضاء، كما صرح هو نفسه (صلى الله عليه وآله) بذلك .
وقد جاء في كشف الغمة عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها على و جه الأرض كفء أبداً.
وهكذا تم عقد القران الذي اختاره الله سبحانه لهذين الزوجين العظيمين وأراده لهما قبل أن يريداه، وكتب الله لهذين الأسمين الكريمين أن يكونا تعبيراً صادقاً عن الانسان الكامل الذي تكاملت انسانيته وأصبح المثل الأعلى لكل بني الانسان من ذكر وأنثى، ولو حاول الانسان أن يجمع الصدق والحق والعدل والطهر والعفاف، وما الى ذلك من الصفات الفاضلة الكريمة لا يمكن أن يجد لها لفظاً يحويها بكاملها غير هذين الاسمين اللذين اتحدا مع جوهر تلك الكلمات، فكان علي (ع) خير الناس بعد رسول الله (ص) وأحب الرجال إليه، وكانت فاطمة (ع) سيدة النساء وأحبهن اليه، واستجاب الله لنبيه حين سأل ربه أن يخرج منهما النسل الكثير الطيب، وأخرج منهما النسل الطيب وأئمة الهدى خلفاء الله في أرضه وأمناءه على وحيه الذين من تمسك بهم ومضى على سيرتهم وأخذ بأقوالهم نجا وكان مع الفائزين ومن تخلف عن سيرتهم وتعاليمهم وأنكر فضلهم وحقهم ضل وغوى وكان مع الهالكين.
|
|