المقال الافتتاحي
الأدب والتدوين
|
محمد طاهر محمد
إن مما يثير الدهشة هو أن البعض من الأدباء لا زال يحمل فكرة فيما لو أنه كان على المؤسسات الرسمية أن تدعم الأديب فإن ذلك يترتب على ما يقدمه من إطراء وامتداح لصالح هذه المؤسسة وليس بما يترتب عليه تقديمه من إبداع، ويبدو أن هذا الرأي الذي تأدلج عليه الكثيرون وتقولبوا عليه لا زال مصد (إبداعهم) الذي تتبناه تلك المؤسسة أو الجهة في ضمه الى كسبها الثقافي والإبداعي ولكن لا تستطيع تلك الجهة أن تتبنى إبداعاً رصيناً أو أدباً رفيعاً لأن الإزدواج الذي دخل فيه ذلك الأديب الى عالمها يجعل إبداعه سطحياً مصطنعاً.
إن النظرة الضيقة للأدب عند هؤلاء في فترات سابقة والتي كانت أشد ضيقاً في الشعر قد ولدت هذه الفكرة فأبوا أن يتنازلوا عنها وصار عندهم اطمئنان نفسي و (مادي) من ناحيتها كما إطمأن إليها الذين من قبلهم فنحن لا نلقي بهذه التبعة على الأديب وحده رغم أنه يتحمل الجزء الأكبر منها فالتاريخ الأدبي يدلنا على الكثير من هذه المؤثرات التي توارثها القوم في عصور وبيئات متباينة والتي كانت مصدر حيرة الباحث أو الدارس في تمييز الغث من السمين وتحصيل ما يريد من تلك الفترة دون أن يضيع من وقته الشيء الكثير في التحليل والاستنتاج. ونظراً لتلك الإزدواجية فإن الباحث يغلب على طابع بحثه المنهج الذاتي فلا يستطيع أن يحدد بحثاً موضوعياً بسبب فقدان الأمانة الأدبية والعلمية والروح الموضوعية التي خضعت لتأثيرات الأحوال السياسية. فهذه الأحوال كانت تفرض منهجها الخاص على التاريخ لتعميمه على المجتمع وتدوينه على أنه الحياة الطبيعية لتلك الفترة وإعتبار هذا التدوين هو مصدر البحث العلمي لتشكيل صورة المجتمع والحياة الأدبية وليست الفترة السابقة ببعيدة عنا و لنقل إن الفترة السابقة فرضت مبرراتها على هؤلاء وإن كانت مبررات غير مرتكزة على أساس منطقي ولكن الفترة الحاضرة لا تعطي أية مبررات بل بالعكس فإن ذلك يكشف زيف دعواهم وأنهم جُبلوا على هذه النزعة.
إن حرية الرأي في الأدب لا تتعارض مع الإطراء و لكن بشرط أن لا يكون على أساس مصالح شخصية تحددها طبيعة العلاقات الاجتماعية أو الوظيفية وإنما وفق دراسة الواقع الاجتماعي والانساني وتقييم العطاءات والخدمات التي تقدم للأدب.
|
|