قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
أيام النبي الأكرم (ص) فرصة لتقوية العلاقة مع الله والمجتمع
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
إن العرفان الإلهي هي قاعدة الأخلاق في النظام الثقافي الإسلامي، وكلما إزداد المرء معرفة بربه إزداد تمسكاً بالخُلق الفاضل والأخلاق الكريمة ومكارم العادات، وكلما ضعفت علاقة الإنسان بربه قلت أخلاقه وتمسكه بالآداب، ولذلك ينطلق القرآن الكريم دائماً وأبداً من هذه القاعدة الرصينة وهو يبين لنا الجوانب العملية من سلوك الانسان العارف، ففي سورة (الفرقان) الآيات (63 الى 67) يبين لنا ربنا سبحانه وتعالى إحدى قوانين التعامل في الحياة.
"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً". فالقادرون على الالتزام بالاخلاق الحسنة هم أولئك الذين يحذرون الآخرة ويخافون خوفاً حقيقياً من النار و يرون الحياة مجرد لحظات إذا قسناها بالمسيرة الكبرى للإنسان في هذه العوالم التي سبقت والتي تأتي من مسيرة الإنسان، من هنا حينما يحدثنا ربنا سبحانه وتعالى عن عباد الرحمن المخلصين، بمعنى أولئك الذين وصلوا في علاقتهم بربهم الى حالة العبودية، وكلمة (العباد) حينما تأتي في القرآن الكريم إنما تشير الى الجانب الإيجابي من العبودية عند الإنسان، فهي ليست كلمة تُطلق على كل من يستعبده إنسان آخر، لذا فان (عباد الرحمن) هم أولئك الذين استخلصهم الرب و الذين تجلّى لقلوبهم وسقاهم من الشراب الطهور حتى صفت نفوسم وزكت أعمالهم وصلحت أقوالهم، لكن من هم عباد الرحمن؟
إن الله سبحانه وتعالى يحدد عدة صفات لـ(عباد الرحمن) في هذه الآيات الكريمة من سورة (الفرقان):
الصفة الأولى: الاعتدال والوسطية..
إن عباد الرحمن لا يتطرفون يمينا ولا شمالاً، فالانسان حينما يعرف الطريق السليم والمستقيم تراه يتمسك بهذا الطريق، أما اذا جهل الطريق سينحرف مرة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال دون أن يصل الطريق الصحيح، والجاهل إما مُفرِط أو مفرّط، بينما المحجة العظمى والبيضاء هي الطريق الوسط، وقد أشار الى ذلك القرآن الكريم: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ..." (البقرة/ 143)، فالحالة الوسطية الالتزام بالمبادئ، والمبدأ هو الذي يجعل الانسان ملتزماً بصورة حقيقية بالقيم التي تفرزها.
هذه الصفة نحتاجها اليوم في كل أعمالنا، فنحن نجد فئات متطرفة، فمنهم الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم، كما مَرِق الخوارج على حكم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانوا يرون أنفسهم أكثر إيماناً وأكثر التزاما من إمامهم! وكان لهؤلاء زعيم يُسمى (ذو الثدية)، هذا الإنسان كان في عهد رسول الله (ص) يأتي الى مسجد النبي ويصلي صلاته بصورة منفردة ولا يصلي جماعة مع النبي، فيسألوه عن سبب ذلك؟ فكان يقول: أن النبي غير عادل!!
هكذا عقلية تجعل من انسان يؤمن بأن النبي مبعوث من قبل الله سبحانه وتعالى، ثم يدعي أنه غير عادل – حاشاه ذلك- .
كما نجد هؤلاء المتطرفين اليوم في العلميات الانتحارية هنا وهناك، فهو يفجر نفسه ويفجر الناس ويعتقد أنه سيدخل الجنة، لكن هيهات... لأنه سيكون وسط النار ولا يغمض عينيه في الدنيا إلا ويرى نفسه في بحبوحة من نار جهنم وبئس المصير.
في جانب آخر هناك بعض الناس لديهم مشكلة أخرى وهي الميوعة وعدم الإهتمام بشرع الله تعالى، وهو نوع آخر من التفريط، فهو لا يصلي ولا يصوم ولا يؤدي حقوقه الشرعية ويحلم بأن يكون مؤمناً محباً لله تعالى، عن هكذا انسان يقول الإمام الصادق (ع) في أبيات ينشدها:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ماذا كفيل أفعالي إلا بديعُ
ثم يقول:
إن كنت قد أحببته لأطعته إن المحب لمن أحب مطيعُ
إن الاعتدال يحول دون اصابة الانسان بالتطرف في امور الدين، إنما يلتزم اتجاه معين، وذات مرة رأى أمير المؤمنين ولده الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام) فقال له: (يا بني إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق)، وكان الإمام الحسن يهلك نفسه في أوقات العبادة، إذن، كل حركات وسكنات وأفعال الإنسان المؤمن، سواء مع نفسه أو مع المجتمع، يجب أن تتصف بالاعتدال.
الصفة الثانية: السلام..
مع من يكون السلام؟
إنه مع القلب حينما يكون عارفاً بالله ومحباً لربه، فيكون قلباً مسالماً، لكن ماذا يعني مسالماً؟ إنه بمعنى المحب للناس والطبيعة والبيئة، فيكون (صديق البيئة) و (صديق الحيوان)، ولا غرابة في ذلك، هكذا علّمنا رسولنا الأكرم (ص) منذ بداية فجر الاسلام، حيث كيف كان مثالاً بالرفق بالحيوانات.
ذات يوم كان النبي (ص) نائماً، فجاءت (هرة) وآوت الى النبي ونامت على ردائه، وحينما استيقظ (ص) وجد هذه (الهرة) نائمة فيما كان يهمّ بالنهوض لمتابعة أعماله، لكنه لم ينهرها ويبعدها جانباً، بل تركها تغط في نومتها، وبدلاً من أن يسحب الرداء من تحت هذا الحيوان، قطع جزءاً من ردائه وتركه تحت (الهرة).
والسلام أيضاً يكون مع الأصدقاء ومع الآخرين كذلك، "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً"، فهنالك البعض من إذا خاطبه الجاهل، ردّ عليه الصاع بصاعين! بينما الآية القرآنية توصي بـ(السلام) أي ان الانسان المؤمن يكون مسالماً مع الآخرين، ولا يكون عدائياً:
ولقد امرعلى اللئيم يسبني فممرت ثم قلت لا يعنيني
من المشاهد المشهورة في التاريخ وقفة ذلك الرجل أمام الإمام الباقر (ع) وهو يقول له كلام سيئ فيسكت الإمام، ثم يكررها مرة أخرى و يسكت له الإمام، وفي المرة الثالثة يقول له: إياك أعني...! فيقول له الإمام: وعنك أعفو، فهو يريد أن يمعن في إسماع الامام وإثارته، لكن الإمام (ع) يجيبه؛ باني اسمعك وعنك أعفو، فعندما رأى الرجل أن الإمام لا يثار بالصفة السيئة التي ألصقها به، قال له: أن أمك كانت طباخة! فقال الإمام (ع): تلك مهنتها، ثم قال له كلام بذيء آخر بحق أم الإمام، فقال له الإمام (ع): إن كنت قد صدقت غفر الله لها، وإن كنت قد كذبت غفر الله لك.
وبهذه الجملة أدب الإمام الباقر (ع) ذلك الرجل وإذا به يتحول (180) درجة - كما يقولون- فاستسلم وأقرّ بالقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
من هنا فان حب المؤمن و سلامه وصلحه ينطلق من حبه لله وملائكته وأنبيائه ورسله، فيكون حقاً من عباد الله.
*إنسان اليوم عدو البيئة
يعاني العالم اليوم مشكلة التدهور البيئي، بسبب تزايد نسبة الغازات السامة التي تنبعث من المصانع الضخمة والتي بدأت تترك أثرها الخطير الغلاف الواقي حول الأرض وتعرضة للتصدعات، وهذا ما يسبب بدوره اختراق أشعة مضرة من السماء الى الأرض، تسبب الارتفاع غير المعهود للحرارة فتذوب الثلوج، ليس في المناطق الجبلية عندنا، وإنما في المناطق القطبية التي من المفترض أن تبقى مناطق متجمدة ومحتفظة بطبيعتها التي خلقها الله تعالى، لأن أي تغيير في صورة المحيطين المنجمدين : الشمالي والجنوبي، سنعكس مباشرة على مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، فيرتفع منسوب الماء وتغرق عشرات البلايين من الدونمات المزروعة في الأرض، إنها كارثة عظيمة تهدد البشر.
القرآن الكريم أشار الى هذه العاقبة وهذه في الآية الكريمة: "ظهر الفساد في البحر والبر بما كسبت أيدي الناس"، بمعنى إن التغيرات التي طرأت على البيئة اليوم، منشأها من الانسان العدو للبيئة، بينما الانسان المؤمن يكون عكس ذلك، فهو يحب الزرع والنخلة، والنبي (ص) يقول: (احترموا عمتكم النخلة)، بمعنى ان النخلة بمنزلة العمّة للانسان، فكما أن العمة تحنّ على ابن أخيها، فان النخلة أيضاً تحن على الانسان.
ومن نافلة القول أن العراق الذي كان يسمى بـ(أرض السواد) لكثرة الأراضي الخضراء والمزروعة فيه، وجاءت تسميته بـ(عراق) لتشابك العروق تحت ارضه، كان يمتلك 30 مليون نخلة، أما الآن لديه 11 مليون نخلة فقط! وربما تكون هذه الإحصاءات قديمة، إذ قد يكون الرقم أقل من ذلك، لذا يجب على الواحد منّا اذا اراد أن يقطع نخلة أو أكثر بهدف البناء، أن يزرع نخلة اخرى في مكان آخر، وفي السابق كانت هذه سنّة آبائنا في العراق، فهم لم يكونوا ليقطعوا نخلة إلا ويزرع أمامها فسيلة أخرى، لأنه يؤمن بحبه للنخيل، والنبي الأعظم (ص) يقول مؤكداً أهمية الزراعة: (إذا قامت الساعة على أحدكم وبيده فسيل يعني نخلة صغيرة فليزرعها)، بمعنى لا يقول: أن القيامة قد قامت، ولا وقت لذلك! رغم إن الله سبحانه وتعالى يصف يوم القيامة: "إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة مما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".
كما على الانسان المؤمن والصديق للبيئة أن لا يفسد الماء، بينما البعض نراه يمعن في تبذير الماء، وهذا أمرٌ غير جائز، لأن الذي يندفع الى البيوت، هو ماء عذب ومخصص للشرب وليس لغسل السيارات أو تنظيف الأرض، أو ترك الصنبور مفتوحاً الى الآخر، فهذا يُعد هدراً من المال العام، كذلك الحال بالنسبة للاسراف والتبذير في الطعام، فهو أمرٌ منهيٌ عنه.
*الصفة الثالثة: القيام في الليل ..
إن حب البيئة والنظافة وتجنب الاسراف، خصال لا يحملها المجتمع، إلا اذا بلغ المرحلة المتقدمة، حيث يقول ربنا تعالى: "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً".
وبما أننا في أيام رسول الله (ص)، بين وفاته و ولادته السعيدة، علينا الاقتداء بنبينا العظيم، فقد يأكل التمر وتبقى النواة في يده، فلا يلقيها بعيداً – كما يفعل الجميع- إنما يضعها على كفّ يده تكريماً لها، ثم يشير لشاة قريبة فتأتي وتأكل هذه النواة، أو عندما يشرب الماء و يفضل منه شيء، لا يرميه في الأرض، بل يرميه في النهر، فهو (ص) يعلمنا أن للماء قيمة كبيرة جداً، والقرآن الكريم يقول: "وجعلنا من الماء كل شيء حيّ"، من هنا بدأنا نستشعر الخوف في العراق وفي بلاد أخرى من شحة المياه.
والى جانب المحافظة على سلامة البيئة، على الانسان المؤمن أن يسهم في نظافة مدينته ومحلته التي يسكنها، لا أن يكون شعاره: (النفايات لعمال البلدية)! بل لابد أن تكون الثقافة هي النظافة العامة، انطلاقاً من البيت والشارع الفرعي في المحلّة ثم الشارع الرئيس والمدينة بأكملها، حتى اذا ما جاء زائر لنا من الخارج لا يرى أمامه سوى الشوارع النظيفة وأماكن رمي القمامة والنفايات في أماكنها الخاصة.
إن مسألة النظافة فضلاً عن مردودها الايجابي في الحياة الدنيا، فان لها أجر وثواباً في الآخرة، ففي رواية عن النبي الأكرم (ص) يقول: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة)، أي من لايملك المال البسيط للتصدق به، يمكنه ازاحة قشور الموز أو أية فاكهة أو حجرة من الطريق فانها تحسب له صدقة عند الله تعالى تدفع عنه البلاء.
من هنا نحن اليوم ينبغي أن نتوجه الى الخلق الفاضل، فالأخلاق الفاضلة لا تضعها على مكان إلا وزانته، فهي زينة للإنسان، فالناس لا يعرفون سلوك الانسان وطبيعته، لكن يرون ثقافته من بعيد، والاخلاق الحسنة مثل العطر الفواح، ومن يذهب الى بستان فان أول شيء يستنشقه؛ عطور الأوراد والاشجار، كذلك المجتمع الفاضل هو ذلك الذي شذى عطره يفوح في كل مكان، والناس يلتفون حول هكذا مجتمع.
*جرّب صلاة الليل...
إن بامكان الشباب أن يجرب بنفسه قيام الليل وأداء الصلاة النوافل، وهو قادر على ذلك، إن صلاة الليل نور في القلب نور وفي القبر، و يخلّف جمالاً وبهاءً للوجه، كما يجلب محبة الناس، بينما الذي ينام بعد قضاء ساعات على مشاهدة أفلام العنف في أوقات متأخرة من الليل فانه لن يحصد في المنام سوى الكوابيس! أما إذا نمت وقلبك مليء بالآيات القرآنية، وقلبك عامرٌ بحب الله تعالى، فعندما تستيقظ في الصباح تكون نشيطاً وترى الناس حولك وهم يحبوك وانت تحبهم.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، بامكان الانسان أن يوسع نطالق الحب بينه وبين الله تعالى، ليشمل الآخرين أيضاً، فهو عندما يقول في الليل، بامكانه الدعاء لإخوانه بل حتى لمن قد ألحقوا به الأذى، جهاراً، فيقول: إلهي... هذا (...) آذاني ولكني استغفر له، حتى أنت تغفر له أيضاً، ومن يعفو عن أخيه فإن لله سيعفو عنه، وربما ذلك الشخص يكون من أصحاب صلاة الليل فيدعو لك وفي الصباح سيحب أحدنا الآخر.
بعض الناس يقول: لحد الآن لم نتعلم كيفية صلاة الليل، والأمر بسيطٌ، فاذا تعلّمها الانسان مرة واحدة، فانه سيدمن عليها.
وللعلم فان من علامات المؤمن صلاة (احدى وخمسين)، ومنها أيضاً زيارة الأربعين والجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، وشعبنا العراقي، وسائر الشعوب المسلمة تحمل ولله الحمد، العلامة الأصعب، فيزدلف الآلاف من الذين يوفقهم الله نحو مرقد الامام الحسين (ع) لزيارته يوم الأربعين، لكن العلامة الأخرى أسهل وهي أن يجلس الانسان في بيته ويصلي (احدى وخمسين) ركعة سبعة عشر ركعة فريضة اثنان وثلاثون ركعة نوافل.
صحيح إن هذا النوافل والأعمال الصالحة والحسنة محببة ومؤكدة، لكنها في الوقت نفسه ليست بسهلة، وتحتاج الى جهد ومثابرة وعزيمة، ولسان حال الانسان كما في الآية الكريمة: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً"، كان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (رضوان الله عليه) يخرج الى الصحراء في أطراف المدينة المنورة وتحت أشعة الشمس الحارقة ثم يخلع ملابسه وينام على تلك الأرض والحصيات التي كانت الساحنة وهو يخاطب نفسه: ذوقي هذه نار الدنيا، فهل يمكنك أن تتحمل نار جهنم يا أبا ذر؟! أن هذا درسٌ لنا، إن بيننا وبين الشمس ملايين الكيلومترات، مع ذلك لا يمكننا أن نتحمل حرها ونار جهنم حرارتها الى درجة أن إذا رميت الشمس نفسها في نار جهنم تصيح من حرارة نار جهنم!!
إن المحبين والموالين لأهل البيت والذين بكوا و ذرفوا الدموع على أهل البيت (ع) مدعوون للتوجه الى الله تعالى وانقاذ انفسهم بالدعاء الى الله والتضرع اليه.
الصفة الرابعة: الانفاق..
يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً".
إن الإنفاق هو الجود والكرم والعطاء، وفائدته لمن يعطي، أكثر من فائدته لمن يُعطى إليه، كيف ذلك؟
اذا أنا اعطيك ألف دينار وانت تأخذ هذا المبلغ وتذهب لتشتري به حاجة ما، فانت استفدت مادياً، أما أنا فان استفادتي معنوية، فعندما أعطيك هذا المال فإني خلصت نفسي من الشحّ، لأن الشحّ والبخل من طبيعة النفس الانسانية، تقول الآية الكريمة: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم أن صلاتك سكن لهم"، أي إن الانسان عندما يعطي شخصاً مالاً فإن قلبه يتطهر.
وقد أثبت الشعب العراقي مرة أخرى وجود هذه الخصلة العريقة فيه بعطائه و كرمه و جوده خلال الزيارة الأربعينية، وكانت المضايف تجتذب الزائرين، وهذا ما تلهج به كل الألسن خارج العراق، لكن الإنفاق له حدود أيضاً، فيجب أن يكون حدّه الأسراف، فلا أسراف ولا تقتير وإنما يكون (بين ذلك قواما).
كلمة أخيرة..
نحن الآن قد تفضل علينا ربنا سبحانه وتعالى بفضله وجوده وبركته أن أدخلنا في بحر التوبة والصلاح والإصلاح وهو بحر أبي عبد الله الحسين (ع)، وقد دخل شعبنا في روحية كبيرة وجاء و زار ثم عاد، فمنهم من أتى راجلاً من أماكن بعيدة ومنهم من كان راكباً وقد تحدّى
الصعوبات لزيارة إمامه الحسين (ع) وقلبه يخشع فنوره يزداد ببركة الحسين (ع)، إنها لنعمة كبيرة، وكل الناس يتحدثون عن زوار ابي عبد الله الحسين (ع) في زيارة الاربعين وهم طبعاً 95% من ابناء شعبنا فيما 5% جاءوا من خارج البلاد.
من هذا المنطلق علينا أن نطور انفسنا ونتقدم الى الامام، بأن نحسن اخلاقنا ونتعاون فيما بيننا ونزين روحنا بمكارم الاخلاق والعادات الحسنة.
إن الحديث عن الاخلاق الحسنة ليست لغيرنا، انما لنا فرداً فرداً، فهي للموالي لأهل البيت (ع) ولجميع المؤمنين لان أهل(ع) البيت كانوا مثلاً أعلى للخُلق الفاضل، فلا يجرؤ أحد على القول بان الامام الحسين كان بخيلاً! ولا أنه كان جباناً والعياذ بالله، بل كان على العكس من ذلك، وحينما اراد ابنه علي الاكبر (ع) الخروج الى المعركة قال: (اللهم اشهد على هؤلاء القوم لقد خرج اليهم اشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاَ ومنطقا)، إن علي الاكبر لم يتكلم بشيء، إنما الناس الذين خرج اليهم وهم أهل الكوفة وهم قد سمعوا صفات النبي الأكرم ومطلعين عليه، قالوا: سبحان الله... هل عاد رسول الله حيّاً من جديد؟! لانه كان يحمل شمائل رسول الله واخلاقه ومنطقه، لذا كان يقول الامام الحسين (ع): (كُنا كلما اشتقنا الى رسول الله نظرنا اليه...)، فهذه مكانة علي الأكبر، لكن لنلاحظ عطاء الإمام الحسين (ع) فهو لم يعط أموال إنما اعطى أولاد مثل علي الاكبر في سبيل الله تعالى، ونحن يجب أن نقتدي بأهل البيت (ع) ونتحلى باخلاقهم ونكون في الدنيا من شيعتهم برغم الذين يريدون ان يفرقوا بيننا وبينهم، وفي الاخرة ان شاء الله نكون في ركبهم الى الجنة.