قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

تحوّلات لابد منها.. ولابد من الاستعداد لها
عمار احمد
عراقيا وعربيا ودوليا .. تتواصل وتتتابع الاحداث والوقائع الدراماتيكية بأيقاعات تتميز بالسرعة.
الانسحاب الامريكي من العراق نهاية العام الجاري، لايعتبر حدثا عراقيا فحسب، وانما هو حدث ضمن الجغرافيا العراقية، وثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة العربية، لايمكن حصر تأثيراتها وابعادها السياسية وغير السياسية بالواقع العربي فقط، وانما لابد من قراءاتها من زوايا اشمل وابعد، والازمات الاقتصادية التي هزت اركان العالم الغربي الغني والمترف والمرفه لابد ان تمتد تأثيراتها الى البلدان والمجتمعات الاخرى الاقل غنى وتقدما ورفاهية وترفا.
وكل طرف من الاطراف التي تشهد أحداثاً ووقائع كبرى من الطبيعي ان تكون لها اولويات، فالعالم الغربي منهمك ومنشغل وقلق بالازمات الاقتصادية وما يمكن ان تخلفه من نتائج وكوارث، والعالم العربي منشغل ومنهمك بثوراته التي راحت تطيح بالانظمة الديكتاتورية وتجلب استحقاقات جديدة غير واضحة بالكامل حتى الان ، والعراقيون الذين يمتلكون خصوصية التجربة وصعوباتها واسبقياتها من الناحية الزمنية لهم همومهم وتطلعاتهم وقلقهم الكبير على حاضرهم ومستقبلهم.
انسحاب القوات الاميركية من البلاد بالكامل، يعني امور كثيرة مهمة.. فهو يؤشر الى نهاية الاحتلال واستعادة ماتبقى من السيادة المفقودة ونيل الاستقلال الكامل، واعادة ترتيب اوضاع البلد من جديد بأرادة وطنية تغيب عنها التأثيرات الخارجية المباشرة الى حد كبير. وكل ذلك ليس بالامر الهين واليسير، لانه يتطلب مواصلة ازالة مخلفات وتبعات النظام الصدامي البائد، ومعالجة وتلافي الاخطاء والسلبيات الكثيرة التي وقعت بعد سقوطه وفي ظل الاحتلال، والعمل على اصلاح منظومة القيم الثقافية والاجتماعية للمجتمع وبنائها من جديد على اسس صحيحة.
انسحاب القوات الامريكية شيء مهم ومهم للغاية.. لكنه وحده لايكفي لان نقول اننا وصلنا الى الوضع الصحيح والمطلوب والمثالي. الانسحاب يضع العراقيين جميعا امام مزيد من التحديات الكبرى والخطيرة. صحيح اننا استعدنا بسقوط نظام صدام الحرية التي كانت حلم كل العراقيين، وصحيح اننا سنستعيد استقلالنا الكامل تقريبا بأنسحاب الامريكان، ولكن العدالة الاجتماعية مازالت مفقودة، وقائمة الاسباب طويلة وعريضة، منها الفساد الاداري والمالي، والمحسوبية والمنسوبية، وبقاء الكثير من القوانين والتشريعات من العهد البائد قائمة ويعمل بها، وبقاء اعداد غير قليلة من الملطخة ايديهم بدماء الناس الابرياء في الماضي، بمواقع حكومية سياسية وامنية واقتصادية مهمة ويتمتعون بالامتيازات والنفوذ والصلاحيات والسلطات.
وغياب العدالة الاجتماعية في العراق يعني بعبارة اخرى ان الارضية ستكون مهيئة دائما لازمات ومشاكل مزمنة لانهاية لها، وعلينا جميعا ان ندرك ونتذكر بأستمرار ان سقوط النظام الصدامي البائد لم يكن نهاية المطاف ولم يكن الحل الشامل لكل المشاكل والازمات، وانما كان مفتاحا ومدخلا للحل. ومشاكل وازمات العالم الغربي والمنطقة العربية سببها الرئيسي غياب العدالة الاجتماعية اضافة الى بعض مظاهر الديكتاتورية والاستبداد والتحلل والفساد.
في العراق ثروات وموارد هائلة واكبر دليل على ذلك ان موازنة العام المقبل تقدر بمائة وعشر مليارات دولار، وهو مبلغ هائل جدا، ولكن لماذا ينتشر الفقر والحرمان والبطالة وازمات السكن والخدمات والبناء والعمران.. والجواب بسيط جدا وواضح .. وهو لان الفساد المالي والاداري مازال كبيراً وهائلا جدا جدا ،، وهو مثلما وصفه رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم بأنه الارهاب الاكبر، وارتباطا بذلك ان اعداد المظلومين والمحرومين والمضطهدين مازالت كبيرة جدا.ولايمكننا ان نتقدم الى الامام إلاّ من خلال القضاء على الفساد، وترسيخ وتكريس مبدأ العدالة الاجتماعية.