ظـاهـرة صـدام
|
خولة القزويني
هل تذكرون صدام ؟؟؟!
عندما كان يترنح في الذاكرة، بمشيته المختالة، ونظراته الصاعقة كالذئب، هو مزيج من حالة نفسية استجمعت خيوطها موروثات جينية وعوامل تربوية وأخرى خارجية لتنسج لونا جديداً يطغى على كل ألوان البشر .. الظروف الواقعية أسبغت عليه هذه الهالة السلطوية هي اوهن من بيت العنكبوت، عقدة نقص، حقد دفين، حب الظهور، اضطراب نفسي، قساوة قلب، سيكيوباتية ذكاء حاد، وصولية، انتهازية، عناصر تكاملت مع بعضها لتصنيع هذه الشخصية، صدام، رجل صِدامي، عدواني، شاذ في توجهاته وبلادة أحاسيسه، وأقول هنا، ولست من باب الدفاع عن أحد، أو الذم، أنه يمكن لأي شخص ظالم أن يتحول إلى صدام، متى توافرت فيه هذه الصفات، بدءا من الشخص الصغير وحتى الكبير، الظروف الاجتماعية والعوامل البيئية تساعد على تنشئة هذه النوعية من الأشخاص.
المجتمع له اليد الطولى في تنمية هذه النزعة في بعض الأشخاص. فالظالم الذي يبقى يظلم ويبطش، حتى وهو في دائرة ضيقة قد تكون ضمن حدود الوظيفة، يكبر ويترعرع وتنضج عنده روحية طافحة إلى السلطة والسيطرة، يسكت الآخرون، وينافق البعض، ويُعشق من نفوس ناشزة، تلتذ بمن يعذبها، هذا الإنسان يمكن أن يكبر من موظف بسيط إلى مسؤول كبير في البلد(اي بلد)، طالما لم تُقمع إرادته، ويُخنق صوته .. تنبت له اذرع طويلة في كل اتجاه ومنحى لا يمكن احتواؤها، وان بُترت من الظاهر، مازالت جذوره راسخة في قاع نفسه..
لهذا، نجد في داخل كل منّا صدّاما، لم يسكن جزءا منه، الوزير والمدير وأي مسؤول كبير، الذي يظلم ويسحق موظفيه ويصادر حرياتهم هو صدّام صغير، الطفل الأناني الذي يريد امتلاك كل شيء إلى نفسه، إن لم يرتدع فإنه قد يكون مستقبلاً مشروع ظالم، الأب الدكتاتوري هو صدّام أيضاً، المرأة التي تحرم وتضطهد ابناءها ، وتجلس في المجتمعات مطعمة بالذهب، كسيدة مجتمع من دون مضمون جوهري، هي شبيهة بصدام، المسؤول الذي يستعمل كل أساليب التخويف والتهديد والرقابة والفتن هو أيضاً صدام. يمكنني القول إن صدام أشبه بظاهرة تتكرر كل يوم، صدام انتهى بشخصه، بدمه ولحمه، لكن يمكن أن ينشأ بيننا صدام آخر، وما أكثر المغرورين والمعقدين الذي هم أشبه ببالون لن تجد في داخلهم سوى الفراغ والنقص، احتموا بمناصب وألقاب وظلموا الناس، وهم لولا هذا الزيف الخارجي لوجدتهم أضعف من الذبابة، كما يصفهم رب العالمين، وقد رأينا حجم صدام الحقيقي عندما زال عنه كل هذا الملك، بقي ذليلاً خانعاً، عبرة لأولي الألباب.
طالما كانت هناك بذرة خبيثة تسقيها الظروف الموضوعية، تنمو وتكبر وتمتلك أسباب الظلم والبطش، يتجاهلها الناس، ساكتين، سامدين، كالخشب المسندة، متناسين كلمة حق في وجه جائر أو ظالم، تهوين الأمور واستصغار شأنها، وسلبية التعاطي مع الأحداث والأشخاص، الخوف من فقد الخبز، تفرق الكلمة، أسباب تغذي الظالم لأنه في الظلام وبعيداً عن مرأى الناس ينمو الغول في داخله، ليتحول إلى أداة مدمرة لكل فرحة وسعادة وأمان، ومتى اتحدت القلوب وصفت النفوس من أجل المصلحة العليا فلن تجد هذه النماذج المناخ الصحي لتنبت في جسد البلد، بل ستخاف وتتضاءل حتى تنقرض. لو أدرك كل إنسان أن الله هو يطعم ويكسو ويشفي، وما العبيد إلا وسائل مسخرة من عند الله تعالى، ما ابتليت أمتنا بهذه الجراثيم الفتاكة.
|
|