الزواج مودة ورحمة
|
*سعد الشمري
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم /21) صدق الله العلّي العظيم.
إن المودة والرحمة التي تنبع من الحياة الزوجية، تُعد عاملاً أساساً لاستمرار الدفء والاستقرار في هذا البناء المقدس في الاسلام، وهو بالحقيقة هبة ونعمة إلهية للانسان لأن يرفل في سعادة واطمئنان لا أن تحتوشه العقد النفسية وأجواء التوتر بسبب الانفراد والعزوبية. وهو ما أشارت اليه الآية الكريمة، حيث جعلها الله تعالى (آية) كما هو خلق السموات والارض وسائر النعم والظواهر الكونية.
لكن المشكلة ان بعض الناس لا يقدرون هذه النعمة، بل يتجاهلونها وينشغلون بقضايا ثانوية قد لا تشكل اي اهمية في الحياة الزوجية، هذا اذا لم تكن مضرة بها، فهم بدلاً من ان يكرسوا المودّة والمحبة، نراهم يدخلون الى بيوتهم عوامل التنافر والكراهية ربما من حيث لا يشعرون.
الحقوق والواجبات أولاً...
صحيح ان الزواج عقد يبرمه الرجل والمرأة لتكوين حياة مشتركة بينهما تكون تحت سقف واحد. ولكن هذا الرباط المقدس يتضمن مجموعة من الشروط والضوابط والاهداف التي تنظم العلاقة الزوجية، وذلك عن طريق الرحمة والمودة والحفاط على التعاليم والاحكام الدينية وغيرها من الامور لا يمكن ذكرها جميعاً ولكن توجد اسباب رئيسة يجب ان نحافظ عليها من اجل تثبيت الجوانب الاخرى وذلك من اجل ارساء قواعد متينة تحفظ حقوق الجانبين.
ان جميع الاديان السماوية والقوانين تؤكد على مفهوم الحقوق والواجبات و ضرورة رعايتها، وفي الاسلام هناك الحرص الكبير والاهتمام البالغ بالحقوق بين الزوجين، بحيث لا يشعر الزوج ولا الزوجة بأي غبن او ظلم خلال حياتهما المشتركة، وقد وردت أحاديث كثيرة وعديدة عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام تحثّ وتؤكد على حسن المعاشرة وتقوية أواصر المحبّة بين الزوجين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (قول الرجل لزوجته إني أحبك... لايخرج من قلبها أبداً)، وذات مرة شوهد الامام الرضا عليه السلام مختضباً، فسئل عن ذلك فقال: (ان التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك ازواجهن التهيئة...)، وهنا اشارة واضحة وحثّ من قبل الامام عليه السلام على توفير عوامل الحب والتقارب بين الزوجين والابتعاد عما من شأنه التنافر وبث الكراهية.
من هنا يتضح ان القضية العاطفية يمكنها ان تلعب دوراً أساسياً في استقرار الأسرة، واذا كان مفهوم الحقوق والواجبات من قواعد العلاقات الزوجية الموفقة، فان أجواء المودة والحب من شأنها تليين بعض التشنجات والتوترات، بل قد تدفع طرفاً ما للعفو والتسامح، وهو بدوره سيعزز من وجود ذلك المفهوم بين الزوجين، لا أن يفقد قيمته اذا استمر بشكل جامد وروتيني كما لو تجري الامور في سوق او دائرة حكومية.
لنأخذ مثلاً مفهوم (القيمومة) التي طالما أثار البعض جدلاً حولها، لكن اذا كان الرجل حصيفاً وذكياً فان بامكانه ان يقدم هذا المفهوم الديني والأمر الالهي باطار محبب وجميل لزوجته ويصوره بانه أحد الواجبات الملقاة على عاتقه وليس امتيازاً يعلو به عليها، بل هو لمصلحتها ومصلحة الأسرة بشكل عام، بل ليس من مصلحتها بتاتاً ان يفقد الرجل قيمومته في البيت والأمثلة على ذلك كثيرة، عندما تفقد العائلة الكلمة الفصل والرؤية الحكيمة يبدأ التخبط عند الابن او الابنة او الأم وهكذا...
نماذج الحبّ
مما يؤسف له حقاً اننا نجد البعض – ان لم نقل الكثير- من الازواج لاسيما الشباب منهم يتلقون نماذجهم وقدواتهم في الحب والمودة من الشاشة الصغيرة في الجهاز الالكتروني المسمّى (التلفاز)، فيتسمرون أمامه لمتابعة أحداث مسلسلات تلفزيونية تعرض مشاهد عاطفية هي بالحقيقة مجرد تمثيل بين رجل وإمرأة لا تربطهما سوى الكاميرا والمخرج والمال الذي يتقاضونه لقاء أداء دور المحب، لذا فان نقل هذه الصورة المصطنعة الى بيوتنا والى غرف نومنا يُعد مسألة غاية في الخطورة، لأن ربما لاتنسجم تلكم الصور المصطنعة مع واقع الزوجين ومواصفاتهما. والنتيجة انه حتى القدر القليل من المودة والحب الحقيقي سيزول بسبب الرياح الصفراء لتلك الصورة المزيفة التي تقتحم بعض الادمغة الخالية من الثقافة والتاريخ.
ان امامنا نماذج راقية وعظيمة للحب والمودة يمكننا ان نكسبها دونما خسارة او ضياع كثير من الوقت أمام التلفاز، لنأخذ أمير المؤمنين عليه السلام في حادثة بسيطة وهي من آلاف الحوادث التي تحصل له خلال حياته الزوجية وعجز التاريخ عن نقلها الينا.
يدخل ذات مرة الى بيته ليأخذ قسطاً من الراحة بعد عناء وعمل في الخارج بين قضاء حوائج الناس والعمل والجهاد ونشاطات مختلفة، فيطلب من زوجته الصديقة الزهراء عليها السلام شيئاً ليأكله، واذا به يسمع الجواب سريعاً بان لا شيء من الطعام في الدار! فيتعجب الامام من ذلك، فيقول ولماذا لم تخبريني بذلك وتطلبي لأجلب لك الطعام، فأجابت: ان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله، نصحني من جملة نصائحه في ليلة زفافي بألا أطلب شيئاً منك، فان أتيت بشيء فبها، وإلا فلا أطلب منك شيئاً....
هذه صورة بسيطة وسريعة لأسرة تحترم الحبّ وتقدس الحياة الزوجية، وحريّ بنا نحن الذين طالما ندّعي اننا من اتباع هؤلاء الهداة المعصومين واننا نسير على نهجهم ونزور مراقدهم ونبكي على مصابهم، أن نقتدي بهم ولو في هذا الجانب الذي قد لايكلفنا كثيراً، بالمقابل يكسبنا الحياة الطيبة والسعادة. لكن نلاحظ البعض منّا يحاول ان يصنع من نفسه قدوة وقانون يجبر الآخر على اتباعه، في أذواقه ومزاجه ورغباته حتى وان كانت تجانب الحق والصواب وتسبب في تأزيم الحياة الزوجية، انها الأنانية بعينها التي تدخل البيت من الباب برغبة اصحابها فيهرب الحب من الشباك أسفاً على أهله.
|
|