لنسعَ الى المدرسة النموذجية
|
أمجد علي
من الواضح جدا بان النظام التربوي في العراق له ارتباط وثيق بالنظام السياسي والاقتصادي ولايمكن الفصل بينهما، فأي تطور في النظام الاداري أو الاقتصادي في أي بلد سلباً أو ايجاباً ينعكس مباشرة - ضمن ما ينعكس عليه- على النظام التربوي. لذا نجد الحروب والفقر وعدم الاستقرار السياسي، تشكل عوامل زعزعة وتضعيف للمنظومة التعليمية، وهذا ماحدث في العراق إبان حكم النظام المقبور، فمن تسييس المناهج التعليمية، إلى تجيير الخبرات الاكاديمية لاغراض عسكرية وحزبية، وغيرها من محطات التدمير، كل ذلك ادى الى تكريس التخلف وافتقار المدن والقرى للمدارس والجامعات.
ونحن نتناول هذه القضية لابد ان نقيم واقع التربية والتعليم بعد سبع سنوات من التغيير الكبير، في المحافظات من خلال رؤية لميزانية تنمية الأقاليم، او عن طريق وزارة التربية - الميزانية الاتحادية- وقد تم ترميم بعض المدارس ولو بدرجات متباينة من الدقة والكفاءة الا انها عكست أمراً حتميا مفاده ان الاهتمام بالمدارس جزء لايتجزأ من مفهوم التغيير.
فبعد سقوط النظام الديكتاتوري، بنى الجميع آمالاً كبيرة ليستأنف التعليم مسيرته التقدمية، بدءاً من المدرسة الابتدائية وحتى الجامعة، فالعراق اليوم، وكما يسمع الجميع ذلك، هو عراق البناء والاعمار والمجتمع المدني، وهي مفاهيم تعد ارضية وقاعدة رصينة للتعليم، الامر الذي دفع بالعوائل العراقية لتشجيع ابنائها ذكوراً وبناتاً للالتحاق بالمدرسة، رغبة لبلوغ الاهداف الجميلة والكبيرة، لكن الذي حصل ان المدارس الموجودة غصّت بالطلاب والطالبات، وساءت أحوال الخدمات الصحية والمستلزمات المدرسية من سبورة و رحلات وأثاث مدرسي، والمؤسف جداً ان نسمع ان بعض المدارس حولوا الطلبة والطالبات الى (كنّاسين) داخل الصفوف! واحياناً يواجهون طلباً بشراء (طباشير) او قلم السبورة لالقاء الدرس عليهم وإلا فلا! وهناك الكثير من المشاكل والمنغّصات لا مجال لذكرها، تجعل الحديث يبتعد كلية عن المدرسة النموذجية التي نروم الحديث عنها والتطلّع اليها.
الخطوة الأولى
حتى لا نكون مثاليين ونحلق في الأماني عالياً، نقول: ان المدرسة النموذجية المتكاملة، غاية يتعذر تحقيقها في المدى المنظور، على الرغم من الميزانيات الضخمة التي خصصت لقطاع التعليم خلال السنوات الماضية، والسبب هو الواقع المتردي والسيئ للمدارس في العراق، وحسب المسؤولين التربويين والمسؤولين المحليين فان المباني المدرسية التي تنشأ حديثاً هي لفك الاختناق في المدارس الموجودة، اذ توجد هنالك مدارس تعمل بثلاثة أوقات، وايضاً لازالة المخاطر التي تهدد الطلاب في بعض المدارس للدوام الواحد وللتقليل مما يعرض حياة التلاميذ للخطر كما حدث في إحدى مدارس محافظة البصرة عندما سقطت مروحة سقفية على رأس تلميذة ما ادى إلى إصابتها بجروح.
إذن، بناء مدارس جديدة وليس فقط ترميمها، في المناطق السكنية ذات الحاجة مثل الاحياء الشعبية المحيطة بالمدن الكبيرة أو القرى والارياف، وتوفير المستلزمات من خدمات صحية و أثاث بسيط للطالب مثل الرحلات والسبورة وغير ذلك، هو بالحقيقة يُعد خطوة نحو الوصول الى تحقيق حلم المدرسة النموذجية في العراق، ويحصل اليوم ان نجد بعض صفوف مدارسنا وهي تضم بين اربعين وستين طالباً، هذا الحشد يتوزع على رحلات، فتكون الرحلة الواحدة حصة ثلاث او اربع طالبات، واحياناً يجلس البعض على الأرض يتلقى الدرس من معلمه، الامر الذي يعقد مهمة المعلم ويجعل من التعليم قضية صعبة وشاقة على الطالب الصغير. أما الخدمات الصحية ومستلزمات الدراسة والمياه الصالحة للشرب، فان الحديث عن وضعها المأساوي بحاجة الى مقال مستقل.
من هنا علينا ان نجعل من مسيرة الاعمار والبناء في مدارسنا محطة نحو تحقيق الهدف الأسمى، فحسب الاحصائيات الموجودة فان العراق بحاجة الى ستة آلاف مدرسة جديدة، بينما نرى اليوم مساعياً تبذل وأموالاً ضخمة تنفق لترميم بعض المدارس ذات التصميم القديم وتجميلها لكنها ليست آيلة للسقوط، والنتيجة أن تبدو المدرسة للرائي من بعيد كما لو انها بُنيت حديثاً! والحال نحن بحاجة الى خطى سريعة للتخلص من عقدة الزحام في الصفوف ثم سدّ ما أمكن من احتياجات المدرسة من أثاث وخدمات وغيرها، بينما نجد هذه الاحتياجات جميعاً وفي معظم المدارس تمثل ازمات مستعصية يدفع ثمنها الطالب والتلميذ الصغير.
المدرسة النموذجية للجميع
ربما يتصور البعض ان المدرسة النموذجية، هي المقتصرة على ذوي الدخل الضخم، فيدفعون مقابل تعليم ابنهم مبالغ كبيرة ليتلقى تعليماً متكاملاً دونما نقص او مشاكل، لكن الحقيقة ان المدرسة النموذجية، وان كانت سمة لنمط من المدارس التي كانت معروف في سالف الزمان، لكننا نعني بها أيضاً الاهتمام بالمناهج التدريسية والدراسية وادخال الحاسوب منذ المراحل الأولى وتوفير وسائل التعليم الحديثة مثل شاشات العرض وضمان توزيع الكتب والقرطاسية مجاناً أو توفيرها وبوقتها بأسعار مشجعة، وكذلك الاهتمام بالأطفال خلال العطلة الصيفية وارسالهم الى المعسكرات الكشفية والرحلات المدرسية، وايضاً تشجيعهم على زيارة المراقد المقدسة لأئمة أهل البيت وابنائهم عليهم السلام. فضلاً عن غرس مفاهيم المحبة والتعاون والتكافل وكل القيم الانسانية والاخلاقية في روح التلاميذ والأطفال.
ان الواقع التربوي في العراق متأخر جداً بالقياس حتى للدول المجاورة لنا ولم يتم الارتقاء به خلال السنوات المنصرمة، وإن كان ثمة اعذار بعدم الاستقرار الامني والسياسي، فان الاوضاع الراهنة يمكن القول انها تتجه نحو الاستقرار شبه التام للأمن والسياسة، مع وجود بعض التجاذبات والمشادات السياسية المعهودة في معظم دول العالم، لاسيما دول العالم الثالث حيث التنافس المحموم على السلطة، لكن لايمكن المقارنة مع ما مضى في عهد النظام السابق، وهذا ما يجب ان ينعكس على الواقع التعليمي في العراق وبالدرجة الاولى الى جانب القطاعات الاخرى، ولا يخفى على المطلعين والخبراء ما للتعليم من دور أساس في النهضة الاقتصادية والتطور السياسي وحتى البناء الثقافي الذي يساعد على استتباب الامن والاستقرار على الصعيد الاجتماعي والسياسي في آن واحد. فالمدرسة وطلاب الابتدائية هم بالحقيقة الجيل القادم الذي سيحمل للعراق عوامل التقدم والازدهار إن أحسنّا التصرف واهتمينا بهم، وإلا تكون النتيجة عكسية لا محالة.
|
|