المبدأ و القانون وخيارات أهل الحكم
|
*ناجي عليوي
(ليس الرئيس فوق القانون وليس القانون فوق المبادئ، فلا قيمة لقانون لا يأخذ المبادئ بعين الاعتبار، ولا اعتبار لحاكم يرى نفسه فوق القانون...).
تلك كانت نبذة من افكار سماحة آية الله السيد هادي المدرسي - حفظه الله- فيما يتعلق بنظام الحكم الذي يطمح اليه الاسلام ويريده منهجاً لحياة الانسان، فهنالك قوانين وضعية دونها بعض افراد البشر خلال القرون الماضية، لكن بالمقابل هنالك حاجات ومتطلبات لعامة البشر وهي تسمى (الحقوق)، ولذا نرى ان الحرية والمساواة والعدل وما شابهها من المفاهيم، لم يجادل عليها أحد، بل صدروها في بداية الدساتير والقوانين، بينما نجد ان الديانات السماوية وخاتمتها الدين الاسلامي شرع تعاليم ومبادئ هي من صميم فطرة الانسان، وسنّ حقوقاً وجعلها من أساسيات وجود الانسان، ولذا جاءت التحذيرات من مغبة تقييد الحريات وتجاهل المساواة ونكران العدل، وغضّ النظر عن هذه التحذيرات تمخضت لنا كل هذه الويلات والمآسي التي يعيشها المسلمون في العالم، من فقر وتخلف وظلم.
من هنا فان أمام الانظمة السياسية التي تدعي تبني المبادئ الاسلامية، مهمة احياء القيم الانسانية والاخلاقية في النفوس قبل الحديث عن القوانين والاجراءات الادارية في مؤسسات الحكم، سواء المدنية منها او العسكرية. وإلا من يضمن تطبيق القانون بشكل يكفل حقوق الانسان او لنقل المواطن إن صح التعبير؟
ان المبدأ القويم لن يسمح بأي حال من الاحوال بممارسة الانتقائية في تطبيق القانون او حتى بنود الدستور، والسبب إن هذا المبدأ هو بالحقيقة مبدأ انساني قبل كل شيء، وأن الله تعالى عندما شرعه في كتابه المجيد إنما اراد ان يكون في خدمة هذا الانسان ويمكنه من العيش بكرامة ورفاهية وبالتالي ليتحقق الهدف الأسمى من الخلقة وهي (العبادة)، وهذه هي الحجة البالغة للبارئ عزوجل علينا بان وفّر لنا كل اسباب الراحة والاطمئنان لنبدأ مهمة التبصّر والتفكّر في حقائق الكون والحياة وصولاً الى المعارف الالهية، حيث يعبد الانسان ربه عن معرفة كاملة ويقين بان كل ما يحلّ به هو بعين الله تعالى، ويشكل قوس العلاقة بين متعلقات الأرض وبين السماء.
نرى البعض من أهل الحكم في الوقت الحاضر يتشدّقون بانهم يمثلون الشعب وارادته وانهم يطبقون القانون، لكن لم نجد تجربة واحدة في العالم لمن يرددون هذه الشعارات والوعود وقد كونوا ولو بالقدر اليسير علاقة طبيعية بينهم بين شعوبهم، فيوماً بعد آخر تزداد الاسقاطات وتظهر الثغرات، ففي العقود الماضية كان الظلم والاضطهاد وتزييف الحقائق، السمة البارزة لأصحاب هذه الشعارات، وفي الوقت الحاضر ظهر (الفساد الاداري)، الذي وان كان موجوداً فيما مضى، لكن حالياً يُعد من اخطر الامراض واكثرها فتكاً بالواقع الاجتماعي والاقتصادي لبلداننا، وكل ذلك يحصل تحت مظلة القانون والدستور، ولا يحق لأحد التكلم والاعتراض بححة هنالك أناس يعملون ويبذلون الجهد من اجل راحة الآخرين!!
فماذا كانت النتيجة...؟ ان الناس اليوم ولاسيما في بعض الدوائر الرسمية وعند الطوابير الطويلة، يؤلفون النكت حول القانون وأهله، فهم يرون بأم أعينهم كيف ان معاملات خاصة تمضي بسرعة البرق لأن وراءها الآلاف والملايين، فيما تبقى الاوراق المكدسة في أيدي الناس وهم يبحثون عن السبيل لانقاذهم من براثن هذا الفساد، ليس هذا فقط، بل يدفعون اثماناً أخرى في قطاعات أخرى مثل الخدمات والبلدية والتعليم والصحة، فينظرون الى طريقة عمل مهندس البناء الذي يشق الطرق ويبني الجسور، والقائمة طويلة في هذا المجال.
ان المواطن الذي يرى ان القانون مشرّع له فقط وليس للمسؤول الكبير، سيفقد الثقة ليس فقط بالقانون وانما بالمبادئ التي جاءت باصحاب هذا القانون الى سدة الحكم، لأن هؤلاء لم يأتوا الى الحكم وهم يطالبون الناس بأن يسيروا عكس الاتجاه في الشوارع ويتقاضون الملايين بل المليارات ويمتلكون القصور وغير ذلك، انما جاؤوا يحملون قيم ومبادئ سامية يستبشر بها كل ظمآن الى العدالة والمساواة والعيش الكريم. وعليه فان ارتكاب مخالفة وتجاوز بحق ابناء الشعب والتطاول على حقوقه وتجاهل نداءاته، يُعد بالحقيقة خيانة عظمى بحق المبادئ والقيم التي حملها أهل الحكم عالياً قبل وصولهم الى سدة الحكم.
و واضح ان من يجلس خلف طاولة المدير او الرئيس او الزعيم وغيرها من الالقاب والصفات، أدرى من غيره بالمصير الذي يحلّ بمن يسلك طريق الخيانة والتعدي على حقوق الناس، لأن (لو دامت لغيرك ما وصلت لك).
|
|