عندما يتعشّى معالي الوزير!
|
سالم مشكور
متجها الى موعد عمل، حاولت سلوك أحد الشوارع الرئيسة في بغداد لكن القيامة كانت قائمة هناك. عشرات الآليات المصفحة وسيارات الشرطة والمئات من افراد الامن كانوا يغلقون جانبا كبيرا من ذلك الشارع ويمنعون السيارات من دخوله بصرخات هستيرية ،فيما كان سائقو السيارات يعودون ادراجهم وأصوات السب واللعن تتعالى منهم .
للوهلة الاولى فكرت ان الاغلاق وهذه الهستيريا ناتجتان عن وجود سيارة مفخخة يجري إبطال مفعولها وان هستيريا رجال الامن ناتجة عن حرصهم على ارواح الناس. حاولت الاستفسار من أحد العسكر عن حقيقة الامر وكنت أستعد لأقدم له ولزملائه عبارات الثناء والاشادة كي أشد من أزره وهو يضع حياته على كفه لانقاذ الناس، لكنه أجابني: ممنوع المرور، هذه الاوامر فقط.
أمام إصراري على معرفة السبب نادى للضابط الذي حيّاني بادب قائلا: أستاذ، لدينا أوامر مشددة بمنع مرور أي مركبة. سألته :ما الامر: قال: معالي الوزير موجود في مطعم. وكرر إعتذاره وتأكيده على ان « الامر ليس بيدي». تصوروا: «معالي الوزير» إشتهى أن يتعشى في هذا المطعم الجديد فاستنفر كل هذه القوات وأغلق كل هذه المنطقة الحيوية ومنع الناس حتى من الوصول الى بيوتهم. هل يعقل هذا ؟. عندها دعوت الله ان لا يلقي في خاطر معالي الوزير تطبيق المثل «تعشى وتمشى « .عندها ستغلق الكثير من الشوارع ويهان المئات من المارة ويمنع الكثيرون من الوصول الى بيوتهم بعد يوم عمل وحر لا يتحمله الا العراقي .
ليست هذه الحالة فريدة، بل هي أشبه بالظاهرة لكنها لا تصدر بالتأكيد عن كل المسؤولين. وكم مرة كنت أرافق نائبا أو وزيرا وهو يوجه تعليماته للسائق والحماية بان لا يشغّلوا الزمّور ولا يضايقوا السيارات الاخرى ولا يسيروا عكس السير. لكن المشكلة ان الغلط يعمّ والناس تحمّل كل السياسيين والمسؤولين وزر أخطاء وتجاوزات بعضهم. أمر عجيب ان يتصرف بعض السياسيين والمسؤولين على هذا النحو. المؤلم ان الامر لا يقتصر على بعض "أصحاب المعالي" بل يمتد السلوك السيء الى أقاربهم وأقارب زوجاتهم فيحولوا أماكن سكنهم الى ثكنة عسكرية والحي الذي يقطنون فيه الى منطقة محرمة فيصادرون حرية السكان دون أي وازع.
كنت يوما تلقيت أكثر من إتصال من سكان منطقة في بغداد يريدون عرض مشكلتهم في برنامجي: المشكلة هي ان إخوة ,أخوات أحد الوزراء صادروا عدة شوارع تحيط ببيوتهم وملأوها كرفانات وحواجز كونكريتية وبات السكان يعيشون في سجن. فكرت في ان الفت نظر الوزير الذي تربطني به علاقة ودية اعتقادا مني بانه لا يعلم بما فعله أخوته لكنّ الصدمة كانت عندما انبرى معاليه لتبرير ذلك التعدي بالاسباب الامنية وغيرها .
اليوم يستعد الوزراء الى مغادرة وزاراتهم، ويبدو ان بعضهم يعمل بالمثل اللبناني « يا مغرّب خرّب « فيسيء للناس دون رادع لانه يعلم انه لن يعود الى كرسيه ثانية. نصيحتي لهؤلاء ان يتمثلوا بمثل آخر يقول « يا رايح كثـّر الملايح «. على الاقل ليتذكره الناس ببعض الخير أفضل من لعنه.
|
|