البحث عن مصادر الفلسفة الاسلامية
(كتاب الله وعترتي).. اختبار الوصول الى طريق المعرفة
|
*إعداد / بشير عباس
ليس من الصعب اليوم خوض الفلسفة مطالعةً و دراسةً و بحثاً، لكن ليس من السهل الوصول الى ساحل الفلسفة بقارب دون مجذاف، إذ يتصور البعض إن الفلسفة تساعد الانسان على (توسعة مداركه) كما عبّر عن ذلك أحد المهتمين والمتأثرين بالنهج الفلسفي، وهي التي تحمله الى الاجابات الكثيرة عن مختلف الاسئلة والاستفهامات المغلقة فيما يتعلق بالفكر والثقافة والدين أيضاً. أما ان يبقى متمسكاً بالنصوص الدينية وما تحمله من تعاليم ومفاهيم، فانه سيكون كالوعاء الذي يستوعب ما يلقى فيه دون ارادة منه، او فهم ما يجري، حتى بات الحديث عن الفلسفة اليوم شيء، والحديث عن الدين والاخلاق وأهل البيت عليهم السلام شيء آخر، في حين – والحال هكذا- تكون الحقيقة الكبرى خافية أو غائبة عمن يبحثون عن الحقيقة عن طريق الفلسفة، ذلك أن الاسلام وشخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، بيّن قبيل رحيله عن دار الدنيا النهج الاسلامي للفلسفة، أو بعبارة أخرى (الفلسفة الاسلامية)، وكيف نصل الى الحقائق بالطرق السليمة التي لا نندم بعدها ولا نتراجع عما توصلنا اليه، وحتى لا يؤول أمرنا الى ما آل اليه مفكرو وفلاسفة اليونان القديمة، ومن تبعهم من المفكرين في التاريخ الحديث الذين طلبوا نهجاً للتفكير بعيداً عن نهج الانبياء والمرسلين من قبل السماء.
فلسفة الإسلام
قبل أن يلتحق رسول الله صلى الله عليه وآله بالرفيق الاعلى، خطب خطبة شهدها أغلب المسلمين وسجلها الرواة بأسانيد مختلفة وتعابير متقاربة ومتشابهة، وكلها تقريباً تدور حول خلافة الرسول والتي تمثلت في شريعة وإمام، فقد روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله فينا خطيباً.. وذكر خطبة النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، واني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله... إلى أن قال: وأهل بيتي وروى ابن داوود في صحيحه وكذلك الترمذي بأسنادهما المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فأنظروا كيف تخلفوني في عترتي ؟
والاحاديث حول هذا المضمون متواترة، لكن السؤال المطروح ماذا يعني وجود الكتاب بين أظهرنا؟ وماذا تعني خلافة الرسول صلى الله عليه وآله؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال لابد من البحث عمّا هو المهم في حياة الانسان. أهي بصيرته إلى الحياة ورؤيته لما حوله في هذا العالم أم هي مفردات سلوكه ؟ وبتعبير آخر: هل المهم صلاة الانسان وزكاة ماله وصدقه في الحديث ووفائه كمفردات سلوكية، أم عقيدته باليوم الآخر والرسالة وضرورة التقوى كأصول عقائدية؟
لاريب أن الصدق والوفاء والصلاة والزكاة وما شابهها كلها فرع العقائد وفرع بصائر الانسان. إذ أن صلاة بلا قاعدة إيمانية ليست إلا رياضة جسمية. وزكاة بلا خلفية عقائدية ليست إلاّ عطاءً مبتوراً، ثم إن الانسان يفقد صفات الخير من صدق ووفاء وأشباههما حين لا يؤمن بالآخرة ولا يؤمن بالجزاء وحين لا يبني حياته على أساس من المسؤولية والتقوى.
من خلال هذه التساؤلات يتضح أن خلافة الرسول صلى الله عليه وآله من بعده المتمثلة في الكتاب والعترة، والمتجلية في هذين الثقلين العظيمين، لا تعني مجرد إقتباس الاحكام الشرعية منهما فحسب، بل وتعني إستلهام المعارف الالهية والرؤى الكونية، وإستنباط الثقافة السليمة الصحيحة تجاه الحياة. ومن هنا جاء تأكيد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله على إستمرار نهجه، وعلى إتباع سيرته وأفعاله وممارساته، لانه، صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو الى الله "وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً"، ولانه صلى الله عليه وآله كان "سراجاً منيراً" ليس بالنسبة للصلاة فقط، بل وبالنسبة الى الكون بأكمله أيضاً، ولانه بعث ليتلو آيات الله تعالى وليزكي النفوس ويعلمهم الكتاب "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ" (الجمعة /2)، فتزكية النفوس وتعليم الكتاب هي من أهم مسؤوليات الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليخرج الناس من الرؤى المعكوسة للحياة، إذ لو كانت رؤية الانسان للحياة معكوسة، ولا يرى فرقاً بينه وبين الحيوان، أو كان دهرياً لا يرى وراء هذه الدنيا عالماً آخر، وأنها هي نهاية المطاف ونهاية الطبيعة، أو كان الانسان منكراً للحقائق العقائدية، فلا يرى للجزاء وجوداً؛ فلا معنى حينها لصلاته ولا تنفعه زكاة ماله وما أشبهها.
من هنا يتجلى لكل لبيب معنى خلافة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتتضح له أبعادها اللامتناهية، وأنها ليست منحصرة في الفروع فقط وإنما هي قبل ذلك في الاصول، كما إن ولاية أهل البيت عليهم صلوات الله لاتعني مجرد اتباعهم في المسائل الفقهية الفرعية فحسب. بل إن الاعتقاد بولاية أهل البيت عليهم السلام يعني الاعتقاد بنهجهم وسيرتهم في الحياة، ويعني موالاتهم في رؤاهم وبصائرهم، اذ إن توجيهاتهم وأحاديثهم عليهم السلام لم تكن منحصرة في الفروع، تماماً كتوجيهات وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله، بل الفروع لم تكن تشكل إلاّ جزءً يسيراً من أحاديثهم، أن الغالبية العظمى من كلماتهم عليهم السلام إنما كانت تدور حول العقائد، وحول التوجيه الى الله تعالى وتفسير الخلقة وبيان الكون، وبيان طبيعة الانسان، ثم بيان الاخلاق الحسنة والتوجيه الى الآخرة وبيان فلسفة الآخرة وبيان حكمة الخلق، الى غير ذلك من البصائر المتجلية في كلام وسيرة الرسول الاعظم والأئمة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
أهل البيت (ع). . السبيل
لو يسأل الموالي لأهل البيت نفسه عن حقيقة ولائه لهم، سيجد بلا ريب أن موالاته لهم لم يكن لمجرد أنهم أهل بيت النبوة فحسب، لكن حين يتجرد عن عواطفه ويرجع الى حقيقته، سيجد أنه أنما يواليهم ويحبهم لأنه يجد فيهم مناراً له في حياته، وعنواناً يبحث عنه ليعنون هويته الاسلامية، ومن هنا يكون واجب علينا البحث في كلماتهم المضيئة، إذ الولاية لا تتحقق بمجرد الحب لأهل بيت الرسول عليهم السلام ولا تتأتى من دون مطابقة الانسان لحياته مع حياتهم بالعمل بما كانوا يعملون، وإنتهاج ما كانوا ينتهجون، ولعله من الموارد التي تؤخذ على كل من يعتقد بولاية أهل البيت عليهم السلام هو أن يدّعي ولايتهم، لكنه وفي نفس الوقت بعيد عن حياتهم، وبعيد عنهم في سلوكياته وممارساته، بل وبعيد عنهم في ثقافته ورؤيته الى الحياة وبصيرته حول الكون، وبالتالي بعيد عنهم في فلسفته.
ثم إنه من العجب أن يخادع الانسان نفسه، ويردد صفات أحد الأئمة عليهم السلام ويخاطبهم: (إن كلامكم نور وأمركم رشد و وصيتكم التقوى وفعلكم الخير.,..)، وهو بعيد غاية البعد عن حقيقة ما يقول. ومن الغريب كل الغرابة أن يدعي الانسان حبه لأهل البيت عليهم السلام فيقول : (أني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم و وليٌ لمن والاكم)، كما جاء في زيارة عاشوراء، لكن دعواه هذه ليست إلاّ لقلقة لسان لا غير، وذلك لانه يقف عاجزاً متحيراً عن الاجابة حين تسأله عن النهج الذي يؤمن به، وهو بعيد عن فلسفة أهل البيت عليهم السلام، وغريب عن مفاهيمهم بالنسبة الى الكون والحياة والى الانسان نفسه.
ولعل هناك من يدّعي أن ليس في توجيهات وأحاديث أهل البيت عليهم السلام فلسفة ما، ولكن هل يستطيع الانسان أن يؤمن بدين لا فلسفة فيه؟!
ونحن نقول لمثل هؤلاء : هاهو القرآن الكريم، من بدايته الى نهايته فلسفة، لكن فلسفته تختلف عن فلسفة الاغريق، ففلسفة القرآن ظاهرها أنيق وباطنها عميق، ظاهرها حِكم وباطنها علم، له تخوم ولتخومه تخوم، له بطن الى سبعة أبطن، وقد علم النبي العظيم صلى الله عليه وآله فلسفة القرآن لعلي في اللحظات الاخيرة من حياته، والذي قال عنه الامام عليه السلام : علمني رسول الله باباً من العلم ينفتح لي منه الف باب، وأبواب العلم تلك لم تكن في الصلاة والصيام فقط، وهذا ما يشهد عليه كلامه عليه السلام الماثل أمامنا. فخطبته في صفات الله، وخطبته في الطاووس، وخطبته في النحلة، وفي النخلة وكلماته التي تبين رؤيته الى الحياة تلك الكلمات التي ملأت الآفاق، هي التي علمه إياها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إن كل الاديان الالهية والثقافات البشرية لابد وأن ترتكز على قاعدة فلسفية مختصة بها، وهذا الذي يدعونا الى الحذر والتبصّر. فقد لايقتنع انسان بالفلسفة الدينية، وهذا لايعني أنه لايؤمن بفلسفة قط، فتفكيره ونظرته الى الحياة، ثم سلوكه فيها، لابد أن يكون مبنيـاً على رؤية معينة.
إن الولاية لاهل البيت تعني وقبل كل شيء : التخلق بأخلاقهم وأخذ العلوم والمعارف عنهم عليهم السلام، وفي الحديث عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام انه قال: (من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه الى يوم القيامة). وليس القصد من علم أهل البيت عليهم السلام هو علوم التكنولوجيا والرياضيات وأمثالها من العلوم المختبرية، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله يحثّ بالأساس على طلب مثل هذه العلوم، وهتف الى جمهور المسلمين بأن يبحثوا عن العلم ومن أي مكان، حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلّم: (إطلب العلم ولو بالصين) و: (الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها أنى وجدها). إن المقصود بالعلم الذي لا يؤخذ إلاّ من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله هو علم التوحيد وعلم العقائد وعلم الثقافة والمعارف الالهية.
البحث عن المعين الصافي
إن مجرّد التعبير عن حب أهل البيت، لا يمكن توجيهه بحال، فلا معنى لأن يكون الانسان محباً لهم مؤمنا بهم، بينما نراه يضع جلّ إهتمامه لدراسة الكتب والمؤلفات التي تعود لأناس يعدون أنفسهم أنبياء جدد، وليسوا بحاجة الى من يهديهم سبل التفكير السليم! من أمثال برتراند راسل وجان جاك روسو و فولتير و لوليام جيمز و ديكارت و كونت و ماركس و ماكس فيبر وآخرين من أمثالهم، بينما يضع جانباً نهج البلاغة والصحيفة السجادية وسائر الأدعية المنقولة عن الأئمة عليهم السلام بما احتوتها من المعارف والبصائر، وبما إنطوت عليه من غزير العلم وعمق البصيرة. فكيف يمكن أن يعتبر الانسان نفسه موالياً لأهل البيت، بينما يأخذ فلسفته من غيرهم؟!
اننا نقرأ في القرآن كلام الله جلّ شأنه "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ" (عبس /24) وفي تفسير هذه الآية يقول الحديث الشريف عن الامام ابي جعفر عليه السلام عندما سئل عن معنى الطعام قال: (علمه الذي يأخذه، ممن يأخذه)؟ فكما تعاف النفس العطشى المياه الآسنة، وتتلهف للارتواء بالمياه الصافية، وتناول الغذاء السليم الذي هو قوام الجسم، كذلك نفس المؤمن تعاف الانحرافات والخرافات والاساطيـر، وتصبو الى الفكر السليم الخالي من كل شائبة، هذا الفكر الذي يشكل بدوره طعام الروح، وإلاّ ألزمه الله تعالى التيه الى يوم القيامة. إذ لعل فكرة واحدة تضل الانسان ضلالاً بعيداً بُعد السماء عن الارض.
ونحن حينما نتوجه في صلواتنا الى الله تعالى وندعوه "اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْـرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّآلِّينَ" (الفاتحة /6-7) إنما نسأله جلّت قدرته أن يجنبنا التيه والضلال ويعصمنا عن كل زلل، ولاريب أن ذلك يتمثل فيما يتمثل بالاهتداء بنهج الرسول وأهل بيته الكرام.
ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقول : إن ولايتنا لهم عليهم السلام لا تعني مجرّد الحب، كما لا تعني مجرّد إقتباس معالم ديننا منهم في الأمور الفرعية فحسب، وانما تعني قبل ذلك اقتباس ثقافتنا من ثقافتهم، وفلسفتنا من بصائرهم.
صحيح أنه لا تقليد في أصول الدين، ولكن هذا لا يعني العزوب عن منهج الرسول وأهل بيته عليهم السلام بل على المؤمن أن يستمع لهم، وأن يقرأ لهم، وبعدئذٍ هي القناعة لا غير. أما ألاّ يقرأ الانسان لهم، ولا يستمع لأقوالهم، أو أن يقرأ لهم قراءة سطحية دونما تعمق أو تبصّر، فيكون بعيداً عن تلك الثروة الهائلة من معارف الرسول وأهل البيت عليهم السلام، فذاك هو المرفوض.
دعوة مفتوحة للعودة الى الدين
ومن هذا المنطلق يلزمنا أن نستعرض بعض الاحاديث بخصوص ما نحن فيه، فعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).. لكننا نحن المسلمين اليوم ضللنا ذات اليمين وذات اليسار، تبعّضنا الى عشرات من الفرق، لأننا لم نتمسك بهدى الله تعالى، ولم نعتصم بكتاب الله العزيز الذي هو الحبل الممدود بين الانسان وبين ربه، والله تعالى يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً" (آل عمران /103) كما تركنا عترة الرسول صلى الله عليه وآله التي لن تفترق عن الكتاب. ولعل قائل يقول: أنا آخذ بكلام أهل البيت عليهم السلام وأترك القرآن، أو آخذ بكتاب الله دون عترة الرسول وأهل بيته! لكن الامام أمير المؤمنين يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني امرؤ مقبوض وأوشك أن أدعى فأجيب وقد تركت فيكم الثقلين أحدهما أفضل من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، وتلك هي ساعة اللقاء بالرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند حوض الكوثر وأكبادهم تلتهب عطشاً يستسقون ذلك الشراب الطهور من الرسول صلى الله عليه وآله والرسول يسقي بعضهم ويذود آخرين عن الحوض لأنهم خالفوا تعاليمه.
وعن زيد بن أرقم : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلو بعدي : كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي)، ثم قال: (اللهم إشهد اللهم إشهد...) فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمل المستحيل مدّة ثلاث وعشرين سنة من التبليغ، لكي يخلّف بعده منهجاً متكاملاً كي لايضل المسلمون من بعده، ويشهد الله تبارك وتعالى ثلاث مرات، فمن قبل فذاك هو المطلوب، ومن لم يقبل فعليه وزره.
وعن جابر الانصاري الصحابي أيضاَ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر والأصغر ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، ولا تبدّلوا وإني سألت اللطيف الخبير ألاّ يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فأعطيت ذلك، قيل : وما الثقل الاكبر والاصغر ؟ قال : الأكبر كتاب الله سبب - أي حبل - طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم، والثقل الاصغر عترتي أهل بيتي.
والامام الكاظم سلام الله عليه يفسّر كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند قول : (إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، ويعني عليه السلام ان كتاب الله تعالى مجمل يحتاج الى تفسيروتأويل، والتأويل إن هو إلاّ عند أهل البيت صلوات الله عليهم.
والروايات بهذا الصدد كثيرة جداً، ولعل ما ذكر منها يفي بالغرض، إذ الجوهر واحد، والتعابير متقاربة فيما يربو على مئتي رواية مسندة من كبار صحابة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين وتابعي التابعين، فهي سلسلة ذهبية صحيحة أجمع عليها كل المسلمين ومن كل الفرق، يجدر بالمفكرين الاسلاميين الذين أهملوا طويلاً هذا المخزون العلمي العظيم المتمثل بالاحاديث والادعية أن يعودوا إليه ويستنبطوا منه رؤىً وبصائر ومعارف إلهية.
|
|