الدعم السماوي للحقوق الفردية
|
*طاهر القزويني
هل لنا أن نتصور انساناً رغم ضآلة حجمه ومدودية قدراته أن يدخل في حرب مع الله سبحانه وتعالى وهو من الذين لا يشعرون؟! كيف يكون ذلك ؟
إن الذي يذلّ المؤمن ويستحقره لفقره أو ضعفه أو حاجته أو أي شيء آخر، فهو انما يدخل في حرب مع الله تعالى حتى وإن شهد الشهادتين أو قال أني مسلم، ذكر ذلك الإمام الصادق صلوات الله عليه: قال الله عزوجل: (ليأذن بحرب مني من أذلّ عبدي المؤمن) بحارالانوار، ج75، ص145.
ربما يكون هذا المؤمن جارك، او زائر او عابر سبيل او عامل في مصنعك، أو موظف في دائرتك، أو مزارع يعمل في مزرعتك، أو طالب حاجة، فهذا لايسوغ لك أن تتصرف معه كيف تشاء، وتعامله بشتى أنواع التحقير والإذلال، وللأسف فإن بلداننا متخلفة من ناحية حفظ حقوق العمال والموظفين وغيرهم وبرغم التوصيات الإيمانية والأخلاقية التي تأتينا من جانب الدين الإسلامي الحنيف إلا إن بعض مجتمعاتنا بعيدة عن هذه الأخلاق الفاضلة.
فالمسلمون هم أولى من غيرهم بالإلتزام بهذه القيم والأخلاق الفاضلة، وأن تتحول هذه القيم إلى قوانين وتشريعات تسهم في بناء الحياة الإنسانية وترفع من مستوى الإلتزام الأخلاقي في الأمة.
فالنظام السياسي والإجتماعي في البلد هو الذي يرفع الروح الإجتماعية والاخلاقية لدى كل أفراد الأمة من خلال القوانين والتشريعات التي تدعم هذه القيم وترفع من المكانة الشخصية والقيمة الفردية في الأمة. كما إن النظام الأخلاقي والإجتماعي هو الذي يشجع الأفراد على الاستقامة وعدم السقوط في منحدر الرذيلة والجريمة، لأن الفرد الضعيف في هذا النظام يشعر بمكانته وقيمته الإجتماعية وأنه ليس منبوذاً من قبل الأمة، أما لو كان هذا الفرد نفسه يعيش في مجتمع طبقي يميز بين الشرائح الإجتماعية بحيث يكون الفقير مهدد في كرامته وأمنه المعيشي، فإنه بلاشك لن يشعر بالإنتماء لهذه الأمة، فلا يردعه شيء عن القيام بما يحط من مكانتها والاساءة اليها بما يشبه الانتقام منها.
إن الشعور بالإنتماء إلى الجماعة هو شعور فطري لكنه قد يغيب او يتلاشى إذا مر الفرد بحياة قاسية أو واجه التمييز من تلك الجماعة، عندها يتحول هذا الفرد إلى رجل أناني لاتهمه مصالح الجماعة والأمة، وهذا هو ما يفسر إنتشار ظاهرة العصابات الإجرامية في بعض البلدان الإسلامية وغيرها، فالفرد في تلك العصابات لايمتلك أي شعور بالانتماء للجماعة أو للأمة، لأنه تحول إلى إنسان أناني لايفكر إلا بمصلحته الشخصية.
إن النظام الاجتماعي هو الذي يخلق مثل هؤلاء الأفراد، وبالتالي يجب تغيير هذا النظام إذا أردنا أن نبني مجتمعاً سليماً تسوده العدالة والأخلاق الفاضلة، وقد جربنا في الحقب الماضية الفكر الماركسي وكيف أنه زرع الأحقاد وبث التمييز القومي والطائفي، و زرع العقد النفسية في نفوس أفراد الأمة تحت شعارات الاشتراكية والمساواة والملكية العامة، وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع أن يدعي بأن الرأسمالية بأفضل حال من النظرية السابقة، فهي تقوم على أساس التمييز بين الطبقات وحماية رأس المال وأصحاب الثروة، وتكريس حالة الانشقاق في صفوف الأمة الواحدة.
إلا إن الإسلام هو الوحيد الذي لديه نظرة واحدة ومتساوية تجاه أفراد وشرائح الأمة، كما أنه الداعي إلى القيم الأخلاقية الفاضلة فيها وأضاف قوة لتلك القيم عندما ربطها بالايمان، فجعل القيم الأخلاقية جزءاً من الايمان، وقيم الإيمان جزءاً من القيم الأخلاقية في تداخل منطقي ومسيرة واحدة تكمل بعضها الآخر.
لذا فإن الإسلام عندما يدعو إلى حماية حقوق الفرد في الأمة فإنه يربط ذلك بحقيقة الإيمان بالله عزوجل ويجعل صون تلك الحقوق الإلتزام بحقيقة الإيمان وأن التنصل منها يعني محاربة الله عزوجل وهنا يقول الإمام الصادق عليه السلام: (يقول الله تبارك وتعالى: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي) بحارالانوار، ج75، ص158.
ويستفيد الاسلام من قوة الحقائق الدينية في سبيل دعم المشروع الإنساني المتكامل، فكما لاحظنا في الحديث الشريف كيف أن هذا الدين يستخدم عناصر القوة فيه وهي (أنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي) من أجل تثبيث حق إنساني مشروع لرجل (فقير أو عامل أو مزارع أو غيره..). فغرض الإسلام من فرض الدين والأمور العبادية والالتزام بتطبيق الحدود هو من أجل اسعاد البشرية جمعاء، بما في ذلك أتباع الديانات الأخرى من المسيح واليهود، حتى يحصل ذلك المسيحي على الحقوق والامتيازات التي لايحظى بها في بلاد المسيح.
أما الوضع المقلوب الذي نشاهده اليوم حيث أن المسلمين يذهبون إلى بلاد الغرب ويحصلون على امتيازات لايتمتعون بها في بلدانهم. هذا الوضع المأساوي يجب أن يدفعنا إلى التفكير وإلى تغيير أنفسنا وإعادة الحسابات، لأن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
|
|