زينب.. الإعلام الثائر
|
*إيمان عبد الأمير
في عالم واسع، نتيه بين النماذج،. نأخذ من هذا وذاك كيما نُنهي تجميع قطعات الصورة المبعثرة لشخصياتنا،.
قد يستغرق منا ذلك عمراً،. وقد يضيع العمر ولم تكتمل الصورة لدينا.
وفي هذا التيه، قد ندرك الصورة النهائية ونسعى من خلال هذا الوعي لإكمالها، او قد يلهينا الجمع عن اختيار ما لا يجب إختياره، فلا نحصل بعده سوى على صورة مشوّهة لا ترغب الاجيال بالاحتفاظ بها. ولطالما كان العمل المتقن محطّاً للأنظار وملفت للعقول، فكيف إذاً بعمل من صنع الله وتسديده؟!
إن اللوحة التي رسمتها السنين لشخص العقيلة زينب (ع) مثار للإعجاب ودعوة للتأمل والإنبهار، فلم تكن زينب (ع) لتصنع في يوم كربلاء وبلا خطة إلهية مسبقة وحكيمة، هذه اللوحة التي ابدعتها أنامل الزهراء وعلي (ع) ومنها علمت ان لها دوراً لا يأخذه غيرها، علمت بالمصاعب وادركت قيمة الهدف وبُشرت بالعاقبة فاختارت أن تتحمل العبأ والتضحية و (الله يعلم حيث يضع رسالته(.
زينب (ع) جمعت خلاصة التجارب لتصل الى الصورة الكامله التي تمثل دورها. فكانت اللسان الصارخ في وجه الظلم والطغيان في كل الازمنة والامكنة. فكانت بحق وزيرة الإعلام للثورة الحسينية.
لسان الثورة الناطق
لما كان الامام الحسين (ع) عارفاً باساليب اعدائة الملتوية في اغواء الناس و تضليلهم، ولما عرف من مكرهم وانهم سيسعون بعد قتله الى تشويه ثورته المقدسة، كان لابد له من التفكير في خلق اعلام ثوري مقابل اعلام العدو، فكان (ع) في كل خطواته و بمرأى من زينب(ع) يوضح أهداف ومنطلقات ثورته ويكشف انحرافات الأمويين وفسادهم و يؤكد على المسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين، منذ خروجه من المدينة و التقائه بجموع الحجيج و في رحلة المسير الى العراق، بل في ارض كربلاء وحتى آخر لحظات عمره الشريف (ع)، لم يغفل لحظة واحدة عن اهمية افشال المخطط الاعلامي للعدو و ايصال اهداف ثورته المقدسة و منطلقاتها للجماهير، لأن استمرار إعلام الثورة بعد الواقعة أهم، فكان اختياره الحوراء (ع) لصحبته في هذه المهمة الإلهية أمراً لابد منه، فهي بذرة سيد البلغاء التي استقت منه الحكمة و البلاغة، وهي (عالمة غير معلمة، و فهمة غير مفهمة).
تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين (ع)
في أصعب المراحل وتحت انظارالظالمين البغاة كانت مثال الشجاعة واللسان الناطق والبصيرة النافذة الذي يتفجر بلاغة حكيمة ليغرقهم في العار ويرسي سفينة الثوره على ارض الشموخ والخلود، وكان منها (ع) ما سجله التاريخ: ففي المدينة التي كانت فيها يوماً سيدة زمانها ، جاءت زينب أسيرة وسط احتفال النصر على (المتمردين) على الحكم و الخارجين عن السلطة، ونطقت بما شكل ضربة في الصميم، بكل هيبتها بدأت، فأومأت الى الناس ان اسكتوا، فارتدت الانفاس و سكنت الاصوات.
واجهت اهل الكوفة بجريمتهم النكراء، واظهرت صورتهم المشوبة بالضعف و ازدواجية الرأي و سوء الخلق. بينت لهم الابعاد الحقيقية للفاجعة و انها ليست حركة من متمرد و تم القضاء عليها كما اراد بنو أميه ان يفكر الناس بها، وذكرتهم بمكانة الحسين (ع) وانهم بقتله قد اعتدوا على ذات الرسول(ص) وانذرتهم بالانتقام الالهي منهم.
*زينب تسقط الهيبة الأموية
وسط نشوة الانتصار ورغبته في الشماتة و اصراره على افقاد الحوراء (ع) جرأتها لتنهار فيتمكن من ادخال الرعب في قلوب كل من يرفض مبايعة يزيد، جاءت كلمات السيدة زينب(ع) بعد تجاهل حكيم لاستفزازات أبن زياد لها لتنبأه عن فشله وتسقط هيبته بكل شجاعة، فكانت بليغة امام شخص لكن. وقفت بشجاعة و ايمان لتعلن له امام كل من جاء ليشهد نصره، انها لا تشعر بالهزيمة فما حدث هو شيء جميل و انه استجابة لأمر الله في الجهاد ضد الظلم و أن المعركة بدأت للتو، وأن نهايتها يوم القيامة وهناك يكون النصر الحقيقي.
وبعد مهرجانات النصر، واستعراض دخول السبايا للشام، ادخلوا الى مجلس الطاغية يزيد لعنه الله وهم مقيدون بالسلاسل والحبال في أيديهم واعناقهم، وهو متربع على سرير جبروته، ينكت الثغر الشريف بقضيبه وهو يردد أبياته الشهيرة التي أعلن فيها كفره وجحوده بالدين.
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يايزيد لا تشل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحيٌ نزل
هناك قررت (ع) ان تقف امام هذا التجبّر و الطغيان لتسجل أروع مواقف الدفاع عن الحق بشجاعة لم يعهدها ذلك المجلس مسبقاً ، وقفت و بكل حزم و ايمان بالقضية وبكل هيبة وشموخ لتبين لكل من حضر عنده لمشاهدة نصره خلفيات تلك المعركة، وهي تدين الجرائم الاموية بحق آل البيت و توضح مظلوميتهم، فقد وبخته على اقواله التي توضح كفره، و تبين للجميع أصوله المشركة المعادية للدين ،وتتوعده بمصير اسلافه في جهنم. وفي نفس الوقت تشيد امام الجميع بأهل البيت و تفخر بهم و تذكره بفضل جدها عليه وعلى ابيه وجده فهو (ابن الطلقاء). و تؤكد له انه بالرغم من النصر الزائف الا انه ملطخ بأوحال الهزيمة وتتحداه في ان لن يحقق اهدافه في طمس ذكر اهل البيت (ع): (فكد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك ، فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا...).
كل ذلك وهي تستخف به و تبدي احتقارها له وانها أكبر و اسمى من أن تكلمه او تخاطبه لولا ما فرضته عليها الظروف: (ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لاستصغر قدرك و استعظم تقريعك و استكثر توبيخك).
ولنا ان نتصور ما لهذا الاستخفاف و التوبيخ و التحقير لفاجر كيزيد امام الجموع التي اراد ان يتباها بنصره الزائف امامها من وقع على نفسه، ولكن كيف يتصرف؟ لقد حطمت كبرياءه بذكاء والجمت لسانه عن الرد و اصابته بالحيرة.
"فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ"
بكل ما تحمله من الحنين و الألم، تعود زينب (ع) الى ارض الفاجعة، لتقف عند القبر الشريف و كأنها تخبره انها قد ادت الدور وتعده بالإستمرار، ثم تعود لتشعر المتقاعسين عن نصرته بالمزيد من الأسى لعظيم الفاجعة، لتدعو الناس للتفكر في الثوره المقدسة وأن يستقوا منها الدروس والعبر.
ان الدخول بصورة الاسير المنكسر العائد الى وطنه بعد عفو الحاكم لا يليق بمن انتصر بقضيته الحضارية المقدسة، وفي وقفة ذكيه امام مشارف المدينه جاء القرار بنصب الخيام خارجها، وارسال من ينعى الحسين (ع) لأهالي المدينة وعند مسجد رسول الله (ص)، فلا يدخلون البيوت بصمت الذليل، بل باعلان القضية وبصوت عالٍ، وحين خرج اهل المدينة الى المخيم دخلت بشموخها لتنسف التضليل الإعلامي لآل أمية، ومنها عادت القضية الى المدينة لتتحول و في كل بقعة نزل بها السبي الى مراكز لإعلام الثورة.
أراد اسكاتها فخلُدت
كان قرار إبعاد السيدة زينب (ع) من المدينة الى الشام قراراً يفتقر الى الحكمة. لكن عودتها الى ارض من اصدر الحكم بتصفيتها وأهلها و تشويه صورة ثورتهم، قد فتح عقول و قلوب الشعب المضلل في اراضي الشام فخلد صوت زينب و انطفأ صوت الأمويين. واليوم عند قبتها هنالك انطلاق للعقل يميز العبقرية الاعلامية للثورة المقدسه، انه الاعلام الحسيني المسنود ربانياً، "أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ".
|
|