قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

العباس عليه السلام .. نداء الضمير الانساني
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
قال: صف لي العباس بن علي ابن ابي طالب عليه السلام
قلت: ماذا أقول فيه والقلم حاسراً عاجزاً عن وصف قامته الشامخة؟ ماذا أقول فيه والكلمات منحنيات أمام فكرته السامقة؟ ماذا أكتب عنه وهو بحر شاسع لا يصل عمقه الباحثون والمحققون، بماذا أصفه...؟! وعن أي صورة أتكلم؟ عن شجاعته وصولاته في الميدان؟ عن علمه ومعارفه في المكنونات والخفيات وبصائره في القرآن الكريم؟ عن كرمه وجود يده؟ عن زهده وتواضعه؟ عن إيمانه وتقواه؟ عن فدائه وشهادته...؟
لقد كان للعباس عليه السلام في كل ذلك مثلٌ وموقفٌ ودرسٌ للتاريخ، ولو كان التاريخ منصفاً لأصبح العباس نموذجاً سامياً لمعنى البطولة والفداء ليس للمسلمين فقط بل للعالم أجمع. فالعباس ليس ملكاً للشيعة، وإنما هو قد رسم صورة رائعة للإنسانية حافلة بالتضحية والفداء لا في سبيل المصالح الشخصية، إنما في سبيل قيم انسانية وسماوية. وعليه يجب أن يظهر العباس عليه السلام من جديد في البلدان الإسلامية كافة لنصرة الثائرين والمحرومين الذين يدافعون عن قيم السماء والأرض لرفع الحيف والظلم عن المضطهدين والمعذبين كافة. كان العباس عليه السلام ناصر الطفولة المعذبة وحامي المشردين والضعفاء ودافع الكرب عن المظلومين وحامل لواء العزة والكرامة للأمة التي لم يبق لها الطغاة شيئاً من روحها وعزتها.
فقضية العباس عليه السلام هي بحجم العالم الواسع، ويجب أن يتم التبليغ لها بكافة اللغات وكافة اللهجات العالمية حتى تعرف البشرية أبطالها الحقيقيين الذين سطروا الملاحم والمعجزات، وحتى لا تكون بحاجة إلى أبطال خيالية تبثها الشاشة الصغيرة والكبيرة، لا صلة لها بالواقع، فما حاجة المشاهد اليوم الى بطل الوهم والخيال الذي يقوم باعمال غير منطقية ولا عقلانية، سوى انه يحقق الاثارة الرخيصة في نفس الانسان، فيمتلئ رعباً او غبطةً او غير ذلك من المشاعر المؤقتة التي لا تلبث ان تتلاشى مثل فقاعات الصابون. بينما البطل حاضرٌ أمامنا، وهو تجسيد لكل معاني البطولة، فالعباس عليه السلام رسم صورة البطولة بأروع ما يكون وبأصدق لهجة. رسمها بكفيه المقطوعتين وبالسهم النابت في عينه، رسمها وهو على فرسه حيث كان يحتضن (القربة) بيديه المقطوعتين لكي يوصلها إلى الطفولة في خيام الحسين عليه السلام، وما أشد حاجة الطفولة اليوم في أفريقيا وآسيا وسائر البلاد المضطهدة الى هكذا رجل منقذ ومضحي! فقد رسم العباس عليه السلام صورة البطولة بفدائه وإيثاره وهو يقف على ضفاف النهر ولا يشرب قطرة منه وفاءً لأخيه الحسين عليه السلام إذ تذكر عطشه وعطش الأطفال الذين ضعفت أبدانهم وخارت قواهم نتيجة العطش..
لقد سجل العباس عليه السلام موقفاً آخرَ للوفاء عندما خُيّر بين الموت والحياة، فقد عرضوا عليه الدنيا بما فيها من الزخارف والمباهج والمناصب العليا في الدولة، رفضها كلها لأنها تعني بالنسبة إليه الخسّة والدنائة وليس المصلحة السياسية كما يصورها البعض في الوقت الحاضر، فرجّح القتل في سبيل الله وتحت راية أخيه الامام الحسين عليه السلام على حياة العبودية للسلطان وللأهواء.
إن العباس عليه السلام لم يسجل صور البطولة في ساحة المواجهة، لأن سيده الحسين عليه السلام لم يمنحه هذه الفرصة حرصاً منه للاحتفاظ به حتى الرمق الاخير، لكن البطولة كان لها موعد معه على شاطئ النهر، لتسجل منه ملحمة انسانية شامخة، لذا لا يندرج العباس في قائمة من يدعون البطولة بالبطش وسفك الدماء والدمار، إنما هو بطل يهب الحياة للانسانية.
من هنا نجد المؤمنين في محرم الحرام، ومعهم ايضاً غير المؤمنين في مختلف انحاء العالم،يستذكرون هذا البطل الفذّ الى جانب استذكار أخيه وسيده الامام الحسين عليه السلام، ولعله من منزلة العباس عليه السلام، أنه رافق سيده ومولاه في كل تفاصيل نهضته وتصديه للانحراف والظلم، فكانت التضحية بالأحبة والبصيرة القرآنية، والبطولة والتضحية في سبيل الله، الى جانب ميزة الوفاء العظيمة التي تُوج بها أبو الفضل العباس عليه السلام. كل ذلك لم يأتِ من فراغ، إلا لأن هذا البطل المقدام حفّر إخدوداً في الضمير والوجدان الانساني، لذا لا يسع أي انسان في العالم وفي كل زمان ومكان، يسمع بقصة العباس مع أخيه الحسين عليهما السلام، إلا أن يقف إجلالاً وإكباراً أمام هذه المدرسة، فلا جدال ولا مماراة في المسألة، كما هو حال الكثير من الاسماء التاريخية من قادة عسكريين و زعماء و علماء وفلاسفة، لم يحظوا باتفاق كلمة واحدة حول شخصيتهم في التاريخ. فالاصدقاء يمدحونه ويجلّونه، أما الاعداء في صمت مطبق.
إن الجهود ما زالت ضئيلة في تعريف هذه الشخصية العظيمة للمسلمين وسائر سكان العالم، ، فمن الجدير بنا أن نقدم العباس عليه السلام نموذجاً لأكبر مشروع إعلامي على مستوى العالم أجمع، ومن حق العباس علينا إذا كنا حقاً نريد أن نصبح من أتباعه ومريديه أن ننشر صورته البطولية ومواقفه الشجاعة ومبادئه السامية في كل أرجاء المعمورة وبكافة اللغات المختلفة، وإن ليس بوسعنا أن ننصر العباس عليه السلام بسيوفنا فإننا قادرون على نصرته من خلال حمل لواء مسيرته وشرح قضيته وقصته لكل العالم.