قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

هل تستعد واشنطن لـ "تغيير النظام" في البحرين؟؟؟ (*)
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة كتب المحلل فينيان كانينغهام في موقع (جلوبال ريسرتش / globalresearch.ca) الامريكي ، قائلا:
إنَّ استمرار الإحتجاجات المؤيِّدة للديمقراطية في البحرين في مواجهة القمع الوحشي يجعل واشنطن تعيد النظر حول دعمها الثابت للعائلة المالكة التي تحكم هذه المملكة الإستراتيجية الهامَّة في الخليج . فهل نحن على وشك أن نشهد تغييراً شكلياَّ للنظام - وليس ذلك من أجل الحقوق الديمقراطية الحقيقية في البحرين، ولكن من أجل إنقاذ مصالح واشنطن الحيوية في المنطقة؟.هذه الجزيرة الصغيرة هي بمثابة القاعدة للأسطول الأميركي الخامس، والذي يضم 16 ألف فرد و 30 سفينة حربية، هو نقطة انطلاق للقوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. كما أنها تراقب الممرات البحرية في الخليج حيث يمرُّ عبره 30 بالمائة من إجمالي إمدادات العالم من النفط يومياًّ.
منذ أن خرج المتظاهرين إلى الشوارع في 14 فبراير احتجاجاً على الحكم الملكي غير المنتخب من سلالة آل خليفة، قدَّمت واشنطن دعماً تاماًّ للنظام - واصفة البحرين بأنها "حليف مهم".وبغض النظر عن الأسطول الأميركي الخامس، فإنَّ للولايات المتحدة اتفاقية تجارة حرَّة مع البحرين، وأنَّها تبيع حوالي 20 مليون دولار من الأسلحة للمملكة سنوياًّ، وتُعد البحرين مركزاً مالياًّ لرأس المال الأميركي والعالمي. وقد ردَّت البحرين هذا الجميل بمنح واشنطن وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) غطاءً دبلوماسياًّ للتدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي. البحرين جنباً إلى جنب مع دول الخليج الأخرى من السعودية وقطر والإمارات اصطفُّوا بإخلاص لإعطاء تدخل الولايات المتحدة والناتو مظهراً خادعاً للتوافق العربي، وقد أدَّت ممالك وإمارات الخليج العربي أيضاً نفس الوظيفة السياسية لتوفير الغطاء الدبلوماسي للعقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والناتو على سورية, وعلى تهديداتهما بالتدخُّل العسكري فيها.
وقد لعبت البحرين وغيرها من الدكتاتوريات في الخليج (على الرغم من سخرية القدر من ذلك) بالتالي وظيفة دعائيةً مهمة. وقد ساعدوا بدعم الفرضية القائلة بأنَّ تورُّط الولايات المتحدة والناتو في ليبيا وسورية هو لدعم الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية العامة.ولكن المشكلة الآن تكمن هنا. البحرين تبرز باعتبارها تناقضاً صارخاً بشأن الأهداف المعلنة للتدخل الأميركي في ليبيا وسورية.
حقيقة أن قتل 40 شخصاً في البحرين بسبب مطالبهم السلمية بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية هو اتهام تام وصريح للنظام الذي تدعمه الولايات المتحدة. وجرح الآلاف - وكثير منهم مشوَّهين - بسبب إطلاق قوات النظام النار على المتظاهرين المسالمين العزَّل.التناقض الصارخ بين سياسة الولايات المتحدة تجاه البحرين وبين تبنيها اهتمامات شعب ليبيا وسورية يجعل البحرين في ظل نظام آل خليفة عبء خطير لمصداقية واشنطن الإنسانية.نظراً للإضطهاد المستمر ضد العماَّل والموظفين الشيعة (طرد أكثر من 3500 من وظائفهم)، والإستخدام المنافي للمنطق للمحاكمات العسكرية الصورية لمحاكمة العشرات من الأطباء والممرضات والمعلمين والمحامين والرياضيين، والإدانات الواسعة من جماعات حقوق الإنسان للإعتقالات الجماعية الغير قانونية والتعذيب، واستهداف الصحفيين المستقلين والمدوِّنين، وطرد مئات من الطلاب والأكاديميين - فإن عبء نظام آل خليفة على مصداقية السياسة الخارجية لواشنطن يثقل يوما بعد يوم ويجعلها غير عملية.
بالإضافة إلى الأعمال الوحشية ضد المدنيين المسالمين نرى الإنتشار الهائل لاستخدام الغاز المسيل للدموع في الآونة الأخيرة . كل ليلة، والمدن تُخنق بالغاز المسيل للدموع التي تُطلق من قوات النظام بآلاف العبوات على الشوارع والمنازل. وقد وصف السكان المحليين هذه الأفعال المتعمَّدة بسياسة "الإرهاب المسموم" و "العقاب الجماعي". وقد قُتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص بسبب الإختناق بعد إطلاق قوات النظام الغاز المسيل للدموع داخل المنازل. وقد كان آخر ضحية جواد أحمد (36). توفي ضحية إطلاق الغاز المسيل للدموع في منزله في قرية سترة. وقد رفض أقاربه أخذه للمستشفى خوفاً من القبض عليه من قبل قوات النظام - كما هو شائع في البحرين حيث أن المستشفيات تخضع للقيادة العسكرية منذ الغزو الذي قادته السعودية لقمع المتظاهرين في شهر مارس. وقبل أيام من وفاة جواد أحمد، قُتل الصبي، علي جواد (14) حينما أطلقت عليه عبوة غاز مسيل للدموع أصابته في الرأس من مسافة قريبة. إنَّ المعضلة الغير قابلة للحل بالنسبة للنظام هو أن مثل هذا القمع الشرس قد فشل فشلاً ذريعاً في سحق الإحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. بعد قرابة ستة أشهر من إرهاب الدولة، أصبحت الإحتجاجات ضد النظام أكثر تصميماً مع خروج 200 إلى 300 ألف مواطن من أصل عدد السكان الذي لا يصل إلى 600 ألف مواطن في مظاهرات إسبوعية.
في شهر يونيو، وعد ملك البحرين حمد آل خليفة للعودة إلى "الأمور الطبيعية" مع إطلاقه مجموعة من المبادرات التي كانت محل إشادة، وربما موضوعة من واشنطن باعتبارها خطوة إيجابية للإصلاح، وقد شملت رفعاً رسمياًّ لحالة الطوارئ، وإطلاق عملية "الحوار الوطني"، وإجراء تحقيق مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان، ونقل جميع المحاكمات العسكرية إلى المحاكم المدنية.ومع ذلك، وللأسف بالنسبة للنظام الملكي المدعوم من الولايات المتحدة، فإن هذه المبادرات لم تشتري ود المعارضة، التي لا تزال تصرُّ على النزول إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام. وبالتالي فإنَّ النظام نكث بما جاء به من مبادرات ولجأ لجوءاً تاماًّ إلى القمع.، والذي بدوره شجَّع تجرُّأ الحركة المؤيدة للديمقراطية أكثر من ذي قبل.وبالتالي فإن النظام البحريني الغير قابل للإصلاح يضع واشنطن في مشكلة شائكة. إذ لا يُظهر فقط وقوف الحكومة الأميركية بجانب الطغاة في البحرين فحسب، ولكن تأييدها لمثل هذا النظام يكشف التباين في تصريحات واشنطن بشأن حقوق الإنسان في ليبيا وسورية وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. قد تكون البحرين مساحة صغيرة من الأرض، ولكن حقيقة القمع وإرهاب الدولة ضد المدنيين العزَّل توجد ثغرة ضخمة في واجهة حماية حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية التي تظهر بها الولايات المتحدة.
بهذه الطريقة، هل يتَّجه نظام آل خليفة في البحرين لخطر الوصول إلى نقطة، حيث لن تكون الحكومة الأميركية قادرة على تحمل عبئها التي تشوه علاقاتها العامة؟ إننا نذكر كيف أنَّ واشنطن قد أيَّدت حتى آخر لحظة دكتاتورية حسني مبارك في مصر، وبن علي في تونس. ولكن عندما وصل الأمر إلى تأثُّر العلاقات العامة بسبب دعم هؤلاء الطغاة أصبح عبئهم لا يطاق فتم الإستغناء عن واجب دعمهم. فهل نحن على وشك أن نشهد نفس سخرية تخلي واشنطن عن الطغاة تتكرر على طغاة البحرين?. إنَّ أول بادرة لهذا التحوُّل قد تم استقاءها من التغطية الصحفية الناقدة للنظام البحريني بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة عبر صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست. بالنظر إلى أنَّ هذه الصحف، جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام الأخرى، قامت حتى الآن بتغطية ضئيلة للإنتهاكات في البحرين، وقد لوحظ بأن هذه الوسائل التي تعكس تفكير الحكومة الأميركية قد خرجت بهذا التوصيف الصريح للقمع في "الحليف المهم". ففي 15 سبتمبر، نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقال على صفحتها الأولى بعنوان: البحرين تغلي تحت صفيح القمع. "استعداد أميركا للنظر في الإتجاه الآخر جعل من واشنطن منافقة" تتحسر التايمز وهي تسرد قائمة بسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان. "أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة مدعوماً بالغزو المسلح من المملكة العربية السعودية، الأحكام العرفية في شهر مارس، ومع أنَّه رُفع في 1 يونيو، إلا أنَّ صوت القمع لا زال يتردَّد صداها في أنحاء الجزيرة". وفي مقال إفتتاحي في 10 سبتمبر، ذهبت صحيفة الواشنطن بوست أبعد من ذلك إلى التلميح عن المخاوف الإستراتيجية الرسمية الأميركية على البحرين: "إنَّ النظام - لم يفي - وهو الآن يخاطر بتفجير الإضطرابات من جديد التي يمكنها أن تزعزع إستقرار ليس البحرين فقط بل والمنطقة من حولها ..... إذا انفجرت البحرين، فإنَّ المصالح الحيوية الأميركية ستكون في خطر، فيجب على الإدارة الأميركية (أوباما) استخدام نفوذها فوراً".
إنَّ المخاطر التي تتهدد المصالح الحيوية الأميركية قد زادت وبشكل مرتفع في ظل نظام آل خليفة في البحرين والتي لا يمكن الإعتماد عليها. وهي تشمل القيادة البحرية الأميركية لتجارة النفط في الخليج الفارسي (العربي)، وخطر امتداد الإضطرابات الشيعية في البحرين إلى أكبر منتج للنفط، المملكة العربية السعودية، وهذا سيُكرس زيادة للنفوذ الإيراني في المنطقة.وبنفس الأهمية هو الضرر الجاري الذي يسببه نظام آل خليفة للإدعاءات التي وُضعت بدهاء وبعناية من واشنطن لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة - وفي ليبيا وسورية بوجه الخصوص. البحرين تدقُّ مسامير الكذب في تصريحات واشنطن، بل إنها ترمي مفتاح براغي كبير في عجلة السياسة الخارجية الأميركية.ولذلك لا ينبغي علينا أن نندهش رأينا سلاح الجو الأميركي يعبئ طائراته بسبائك الذهب لتعجيل رحيل الملك حمد إلى المملكة العربية السعودية.
يشير رالف شونمان، مؤلف كتاب التاريخ الخفي للصهيونية، إلى: "أنَّ النظام الإقطاعي الإختلاسي لآل خليفة في البحرين قد فاحت رائحته النتنة لتزكم أنوف جميع العقول المنصفة. وقد وصل الوضع في حكمه الهمجي نقطة أصبح فيها السادة الإمبرياليين يبحثون بشكل متملص عن بديل رأسمالي لتهدئة العاصفة قبل أن يتبدَّل النضال الجماهيري إلى ثورة مسلحة".، و "مع كل محاولة من قِبل حكام الولايات المتحدة لتمديد حياة سلطة ملكية هشَّة حيث تجعلها أقل عفناً وأقل كراهية، بتحديد شخصيات مرنة لقيادتها، لكن كل ما تفعله هو تعجيل الإنتفاضة الجماهيرية التي لا يمكن إحباطها بتصميم مثل هذه المناورة الكلاسيكية".
(*) ترجمة: المستبصر محمد المحرَّقي البحراني