في ذكرة ولاداتهم المباركة..
شموس شعبان ومسيرة كربلاء .. نهجهم و"حق معرفتهم"
|
محسن محمد
مع اطلالة شهر شعبان المعظم ، شهر النبي الاكرم (ص)، و الرحمة والمغفرة، يجدد المؤمنون روح واجواء الولاء العطرة حيث تمر علينا خلال ايام الاسبوع الاول من الشهر مناسبات ميمونة تتمثل في الثالث من شعبان بميلاد السبط الشهيد الامام الحسين(ع) في مثل هذا اليوم من عام 3 او 4هجري على رواية . وميلاد ابنه الامام السجاد (ع) في 5 شعبان، وكذك مولد ابي الفضل العباس في 4 شعبان ، ومولد علي الأكبر بن الإمام الحسين (ع).ولعل البارز في هذه الولادات العطرة أن مايجمعها وبات يميزها، هو "كربلاء"، تلك النهضة الرسالية الحسينية العملاقة، الامر الذي تعارف عند الكثيرين بتسمية هذه المناسبات بـ "ولادات ابطال كربلاء".
ومن هنا ننطلق ــ ولأن المجال لايتسع في هذه الاسطر القليلة للحديث عن جميع هذه الشخصيات الربانية العظيمة وماتمثله ــ ونجمل الحديث ونختصه بالامام الحسين (ع) بإعتباره يمثل البوتقة التي تنصهر فيها روح ومواقف وشخصية وعطاء واهداف باقي اصحاب هذه المناسبات المباركة، وهو ما سطع بأجلى صوره في نهضة ومدرسة كربلاء، وهي المحور الذي لايمكن لاحد يريد أن يتحدث ويقرأ الامام الحسين والامام السجاد وابا الفضل العباس وعلي الاكبر(عليهم السلام) والوقوف على جوانب من حياة هذه الشخصيات الربانية ، من دون الوقوف عنده وعليه (كربلاء).. وبعبارة اخرى ايضا، فإن مابين هذه الولادات وبين كربلاء رابط عميق دقيق، بحيث يمكن القول أن ولاداتهم عليهم السلام كما كانت في شعبان المعظم، في مدينة جدهم المصطفى ، فأنها كانت ايضا وبصورة اخرى، في كربلاء، وفي العاشر من محرم. فما بين شعبان، وكربلاء وعاشوراء، مسيرة خلود ومآثر ومكرمات وعطاء وعرفان وعبادة، وسيرة ونهج وراية ورسالة، تحمل ولاتزال وستبقى ارث كل النبوة والامامة، والحق والعدل والحرية والانسانية بشتى ابعادها.
فمابين لحظة ولادته العطرة في الثالث من شعبان في السنة الثالثة او الرابعة للهجرة ، ويوم عاشوراء ونهضة كربلاء، يظل الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام ، وسيبقى الى أن يرث الله الارض ومن عليها، يشغف القلوب، ويجذب النفوس، ويستهوي الأحرار ويستقطب المؤمنين.. فبمجرد أن تلقي ببصرك على جانب من سيرته المباركة، وإذا بالمكارم والمآثر تسطع أمام ناظريك، حتى تحتار في تشخيص أيها أجلى وأبهى من غيرها.فتجده -سلام الله عليه- قمة سامقة في العلم، في العبادة، في العطاء، في الايثار، في الشجاعة، في القيادة.. ناهيك عن كونه قمة سامقة في الحسب والنسب أيضاً. إنه كله خير، وكله بركة.. وقد وقف على أعتاب باب الحسين عليه السلام خلق كثير عبر التاريخ، كلهم يريد أن يدنو منه لينهل من معارفه، ويكسب من علومه، ويتعلم من أخلاقه، ويقتفي بآثاره.. ولا غرابة في ذلك أبداً، لان الإمام الحسين لم يكن اسطورة تاريخية، وإنما هو نهج قد حفر في الأمة نهراً لا يمكن ردمه، مهما توالت عليه أيدي الطغاة. وها نحن نعيش بعد الف واربعمائة وثمانية وعشرين سنة على ولادته الميمونة و الف وثلاثمائة وسبعين سنة على استشهاده، ولم يخطر على بال أحد من مواليه لحظة أن ينسوه، وهم ينادون: أبد والله ما ننسى حسينا.فذكره حديث لا يملّ منه، وفضائله دروس لا يستغنى عنها، وكلماته مدرسة لا يمكن الغياب عنها. و لأن الإمام عليه السلام هو محيي الشريعة، ومنار الفضيلة، والحجة على الخلق، وباب نجاة الأمة.. فهو محط أفكار المفكرين، ومركز توجه المؤمنين. وها نحن اليوم وإذ نقف على أعتاب باب الحسين عليه السلام، يجب علينا جميعا ـ لاسيما ونحن في ظل هذه الظروف الصعبة والتحديات والازمات ـ أن نسعى لدرك شيء من آفاق شخصيته، ومعرفة بعض أبعادها.. متتلمذين عليها، آخذين منها درس الحياة، وعزما وارادة وصبرا وبصيرة، لما ينفعنا وينفع مجتمعنا، دنيا وآخرة، بإذن الله تعالى. حيث اصبحنا اليوم ـ وجميع المسلمين ـ اكثر من اي وقت آخر،أحوج إلى البصيرة و النور ، لإن الامة أصبحت وسط زوابع هادرة تلفها من كل جانب . مجــــردة عن الوعي الكافي الذي يجب أن يكفل غذاءها الفكري المستمر - في خضم هذه الأفكار الـواردة - فلا تكاد تعرف تعاليم دينها ، ولا تميز معالمه الوضيئة التي دلَّت تجارب السنين العديدة على انها الوحيدة من نوعها التي تستطيع أن تنتشل الأمة من قعرها العميق إلى قمتها المأمولة .
إن هذه المناسبات العطرة يجب أن تكون لنا ميعاد لتجديد وتوثيق اللقاء والعهد والولاء على مائدة الإحسان والإيثار والتحرر من إصر الهوى وأغلال الشهوات، ومحطة نتحسس فيها جميعاً بأننا بشر نحب الخير، ونهوى الفضيلة، ونلتذ بالعطاء، بلى؛ في مثل هذه المناسبات العظيمة، يجب أن يكتشف أحدنا إنسانيته، ويندمج مع فطرته، وتنجلي عن بصيرته حجب الشهوات العاجلة والحميات الكاذبة.. حيث اصبحنا اليوم ـ وجميع المسلمين ـ اكثر من اي وقت آخر،أحوج إلى البصيرة و النور ، لإن الامة أصبحت وسط زوابع هادرة تلفها من كل جانب . مجــــردة عن الوعي الكافي الذي يجب أن يكفل غذاءها الفكري المستمر - في خضم هذه الأفكار الـواردة - فلا تكاد تعرف تعاليم دينها ، ولا تميز معالمه الوضيئة التي دلَّت تجارب السنين العديدة على انها الوحيدة من نوعها التي تستطيع أن تنتشل الأمة من قعرها العميق إلى قمتها المأمولة .
أن علينا أن نعرف الامام الحسين (ع) وسائر الائمة واهل البيت(ع) حق معرفتهم، فحينما قال النبي صلى الله عليه وآله: "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً"، فالقضية تعني بالدرجة الأولى قصد النبي صلى الله عليه وآله إلى توجيه الأمّة إلى منـزلة الإمام الحسين من الدين والعقيدة التي تمثلها شخصية الرسول الأكرم، ثمّ يأتي تبعاً لذلك قصد النبي تبيين صلة القرابة التي تربطه بالحسين.فالإمام الحسين عليه السلام هو باب الله، وهو وسيلة الرحمة الإلهية، وهو الصراط المستقيم الذي ندعوا الله يومياً أن يهدينا إليه. فأن تعرف الإمام الحسين بانّه ابن أمير المؤمنين الإمام عليّ وابن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وأنّه سبط الرسول وشهيد كربلاء وغريب الغرباء، فتلك معرفة جيدة، ولكنها لا تقع في الدرجة الأولى من درجات المعرفة. فمن أراد السموّ إلى الدرجات العلى والثواب الأكبر، فعليه أن يعرف الإمام الحسين عليه السلام "حقّ المعرفة" او كما جاء في روايات اهل البيت " عارفا بحقه". وإنّها لخطيئة كبرى وخسارة عظمى أن يتصور الإنسان أن موالاة أهل البيت عليهم السلام مجرّد المحبة وإحياء الذكرى، لانّ الولاية بمعناها الكامل والصحيح هي طاعة الله وطاعة رسوله والاعتراف بحقّ آل البيت والسير على نهجهم الذي لم ولن يختلف أبداً عن تعاليم القرآن. ومن نماذج النقص في الولاية للأئمة عليهم السلام أن نكون منهمكين فقط في التحدّث عن فضائلهم ومناقبهم وتأريخهم، ولكنّنا في الوقت ذاته نقصّر في التعرف إلى الحكمة الإلهية من وجود الأئمّة أو تنصيبهم زعماء للدين من دون الناس، ونقصّر أيضاً في معرفة فقههم ومعارفهم الإلهية. فمن قال بإمامة الحسين ابن علي عليهما السلام وسائر الأئمة المعصومين يتوجّب عليه اتّباع كلماتهم، فلا يجهلها أو يتجاهلها أو يفسّرها حسب هواه وأغراضه. ومن جملة ما يروى في هذا الإطار أنّ الإمام الصادق عليه السلام سأل رجلاً من أتباعه – ولعله فضيل بن يسار- قائلاً: كيف تسليمك لنا يا فضيل؟ فأجاب: يا ابن رسول الله لو أخذتَ تفّاحة وقسمتها قسمين وقلْت هذا القسم حلال وهذا حرام فأنا لا أقول لماذا؛ بل أقول: سلّمت. وكان من قبله سلمان المحمدي، حيث أُثر عنه أنّه كان يقتفي أثر أمير المؤمنين عليه السلام فيضع قدمه في موضع قدم الإمام، فهو كان يرغب بالتعبير عن اتّباعه وتسليمه لأمير المؤمنين حتّى في هذا المجال وبهذه الطريقة…
|
|