المقال الافتتاحي
الأدب والزمان
|
*محمد طاهر محمد
من المثير للإهتمام أن أغلب النقاد قد صنفوا الأعمال الأدبية فنياً حسب السبق الزمني فقد أتخذ البعض منهم هذه الطريقة كحقيقة مُطلقة لا تقبل الشك، وإن اتباع هذا التسلسل الهرمي هو من العناصر الضرورية الصحيحة في العملية النقدية، فغدا عنصر (الزمان) من أهم المعايير النقدية التي تدخل في أسس النظر والتقويم بشكل يطغى على المعايير الفنية. وهذا النهج لم يكن جديداً فقد أتخذه بعض النقاد القدامى الذين كانوا يحتاطون له حتى في حالات إعجابهم بالمحدث، ولعل هؤلاء النقاد قد أصابتهم حالة العدوى هذه من وعّاظ السلاطين ومؤرخي السلطة الذين صنفوا الرجال في تاريخ الإسلام حسب سبقهم الزمني وعدّوا هذا السبق فضيلة لا تعدلها فضيلة وغضّوا الطرف عن النقاش في سيرة الرجال فالسلف الصالح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!!! ولا نريد هنا أن نخوض من هذا الموضوع طبعاً، وكل ما هنالك إنّا أردنا أن نشير الى حالة التطابق في كلا المنهجين.
لقد كانت صفة (المحدث) سلاحاً فتاكاً يستخدمه الناقد ضد الشاعر وهذه الصفة أشبه بالتهمة المسلطة التي تحكم على الشاعر وشعره بالتأخّر عمن سبقه فنياً وإبداعياً. كما كان من العسير استخلاص أحكام على أشعار المحدثين لا تقع تفاصيلها تحت طائلة هذه التهمة ويذكر لنا التاريخ الأدبي الكثير من هذه الحالات منها ما رواه ابن معتز في طبقات الشعراء المحدثين ص155: من أن ابن مناذر عندما عرض على أبي عبيدة مرثية له عارض بها قصيدة لأبي زيد الطائي اضطر أن يقول له: (أحكم بين القصيدتين واتق الله ولا تقل ذلك متقادم الزمان وهذا متأخر ولكن أنظر الى الشعر وأحكم لأفصحهما وأجودهما)، وهذا ما ينطبق على الكثير من نقّادنا الذي يرتكز تقييمهم على الزمان و(الأسماء) دون دراسة النتاج الأدبي فالكثير منهم يفتقر في موقفه النقدي الى مبدأ (العدل) الذي طغى عليه عنصر الزمان والمزاج الشخصي.
|
|