قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

قيمة الرجل في المهنة التي يتقنها
*كريم محمد
كان لي صديق كنت أحثه على العمل وان يتعلم بعض المهن علّها تنفعه ليوم حاجته، وبعد اللتيّا والتي اختار مهنة عديمة الجدوى بسبب كساد سوقها في ذلك البلد، وكنت أقول له هل تستطيع أن تستمر مع هذه المهنة التي يبدو ان مستقبلها غامض، كان يقول نعم!
وبعد هذا، كلما رأيته كان يتذمر من المهنة التي اختارها والأوضاع الصعبة التي يعيشها، وأن تلك المهنة لم تزد عليه إليه إلا هماً فوق همه، وبعد سنين كأداء عاشها في الفقر وذل الحياة، أتقن صاحبنا تلك المهنة، ولكنه سرعان ما اكتشف انها لم تعد تنفعه لأن سوقها غير رائجة في بلده
وكان على صاحبي أن يفكر ملياً قبل أن يقدم على انتخاب المهنة التي يريدها، فليس من السهل أن يضيع الإنسان عدد سنوات من عمره في خوض شيء ثم بعد ذلك يكتشف أن كل الذي تعلمه كان هواءً في شبك، فنحن اليوم نعيش أوضاعاً خاصة وظروفاً استثنائية ويجب أن نتعامل مع هذه الأوضاع والظروف بشكل استثنائي أيضاً، فبدل من أن نتعلم مهنة واحدة علينا أن نتعلم عدة مهن، حتى إذا كسد أمامنا السوق في إحداها يمكن أن نتجه إلى الثانية والثالثة.
وكنت أعرف شخصاً كان يعمل في إحدى المهن المعروفة في السوق وهي الحلويات، وعندما أحظرت السلطات الحاكمة هذه المهنة، في فترة الحصار الظالم، وتعرض البلد باكمله لأزمة السكر، حينها واجه هذا الشخص مشكلة حقيقية إذ لم يعرف كيف يواجه الوضع وكيف يتدبر الأمر وهو لايعرف من هذه الحياة سوى مهنة الحلويات.
وفي الظروف الاستثنائية اليوم، حيث تواجه البلد مشاكل اقتصادية حقيقية يعجز الكثيرون عن الحصول على فرص جيدة للعمل، وترتفع نسبة البطالة إلى مستويات حادة، في مثل هذه الأوضاع يجب أن يتقن الرجل أكثر من مهنة حتى يستطيع أن يتصرف مع كل التحولات التي يعيشها البلد، ولايصبح عاجزاً مثل صاحبنا (أبو الحلويات).
ومن الجدير ذكره في الأمر أن الإسلام له رسالة توجيهية وتربوية حتى في هذا المجال، حيث تذكر لنا الروايات التاريخية شيئاً من مواقف رسول الله صلى الله عليه وآله تجاه هذه المسألة فقد ذكرت الرواية أنه (صلى الله عليه وآله) كان إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال له: هل له مهنة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني، قيل وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: لأن المؤمن إذا لم يكن له مهنة يعيش بدينه. (بحارالانوار، ج103،ص9).
فإذا كانت لديك مهنة تستطيع أن تعيش منها أما إذا لم تمتلك مهنة فعلى ماذا سيعيش الرجل؟
هل سيعيش من خلال النصب والاحتيال على الآخرين؟
إذن.. هذه هي حياتك وهي صنيعة يداك، فلا تقل أن الله قد ظلمني ولم يرسل لي رزقي، هذا حال من ضرب بيته بالفأس ويزعم بعد ذلك بان الله ضرب بيته!
إن بلدنا الذي نعيش فيه، نستطيع أن نحوله إلى بلد (دمار) ونستطيع أيضاً أن نحوله إلى جنة الأرض، كيف...؟
فهؤلاء الأوروبيون الذين قضوا سنين طويلة من تاريخهم في الحروب والنزاعات الدموية غيروا أنفسهم فتغيرت بلدانهم إلى أحسن حال، حيث أصبحت من جنان الله في أرض الدنيا.
والمسلمون هم بدرجة أولى يتمكنون من تحقيق ذلك الانجاز، لأنهم قبل العوامل المادية يملكون العوامل المعنوية التي تدفعهم للتغيير والنهوض الحضاري، لكن مشكلتهم هي أنهم لايعملون بشيء من قيم السماء التي تجلب لهم الخير والسعادة.
من القيم الحضارية التي تعلمها الغربيون ونجد لها نصوصاً في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة هي احترام العمل، وتعلم المهن المناسبة التي تسهم في بناء المجتمع والأمة.
ولاشك أن الأمة المتقدمة هي أمة عاملة، وتعمل بجد من أجل تحقيق رقيها وتقدمها، أما الأفراد في المجتمعات المتخلفة فهم من جهة لايحبون العمل ومن جهة ثانية لايحسنون العمل ومن جهة ثالثة إذا عملوا قاموا بأعمال لاتتصف بالجودة.
ومن جملة الأمور التي يجب أن نتبنى لها ثقافة خاصة هي مسألة العمل وتعلم المهن والمهارات والأنشطة التي تسهم في بناء البلد وتقدمه، ويجب أن ينصب اهتمامنا من أجل تحقيق الأهداف العالية والسياسية .
لأن العمل لوحده من دون التفكير في خدمة الوطن لايصلح ولاينفع في شيء، لأن هناك كثيرين يعملون لكنهم يعملون على تخريب الوطن، فيضعون المتفجرات والعبوات الناسفة ويدمرون البلد.
لا أدري أي نوع من الأحقاد تتملك هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم، أو الذين يضعون السيارات المفخخة لتفجير المنازل السكنية على رؤوس الأبرياء والمساكين.. هؤلاء بلاشك هم اتباع النهج الصدّامي - الصِدامي، (الثانية بكسر الصاد)، الذي أجبر الناس على إتقان الصدام والنزاع وخوض الحرب انطلاقاً من الجار والصديق وحتى الشعوب والبلاد المجاورة، فكان كل هذا الدمار والعذاب..
إذن، لابد أن نبدأ من جديد، نبدأ بثقافة جديدة و روح جديدة للبناء، واصرار كبير على العمل من أجل بناء اقتصاد البلد. وإذا أردنا أن نرسم خارطة للعمل في العراق، فكيف ستكون هذه الخارطة؟
هل ستكون بهذا الشكل؟ رأس مال مهدور في الفساد السياسي والإقتصادي، وخبراء عاطلين عن العمل، وعمال يتهربون من العمل، ومصانع متوقفه.. أم أنه يمكن رسم خريطة أخرى للعمل؟
بالطبع يمكن رسم خريطة مناسبة للعمل في العراق، لكن هذه الخريطة تبدأ أولاً بالإصلاح السياسي فإذا فسدت السياسة فسد كل شيء في البلد وإذا صلحت السياسة صلح أيضاً فيها كل شيء، لذا يتوجب على كل عراقي أن يكون دقيقاً في إنتخابه السياسي، في الرأي الذي يضعه في صناديق الانتخابات، لأن هذا الرأي لايقرر مصير السياسة فقط بل يقرر مصير السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وكل شيء في البلد، ويجب أن لايكون الانتخاب أعمى، بل يجب أن يذهب الرأي لذلك الإنسان الوطني المتحرق على بلده وعلى خدمة شعبه، فليست العبرة بالشعارات الإسلامية والوطنية، لأن هذه الشعارات من دون تحقيقها على أرض الواقع، تكون خاوية ولاقيمة لها لادينياً ولاعلمياً.
المهم أن يأتي إلى السلطة الرجل الذي يضع في أولوياته خدمة الوطن والشعب، لا أن يكون كل اهتمامه بمصالحه الحزبية والفئوية التي جرت البلاد إلى المحاصصات الطائفية هذا النظام المقيت الذي يجب أن يرحل عن العراق قبل حدوث الفاجعة، لأن المحاصصات الطائفية والقومية هي بؤرة للنزاع والشعور بالظلم من قبل جميع الأطراف، ذلك أن كل طائفة حينها ستشعر بالتهميش.