قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الغرائز المنفلتة.. وطموح الانسان نحو الفضيلة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *أنور عزّ الدين
ليست القضية هي أن تكون أو لاتكون ولكن القضية هي كيف تكون؟
كل إنسان يستطيع أن يفكر في قرارة نفسه ويبحث عن جواب في داخله لهذا السؤال المصيري، فالعيش والوجود في هذه الحياة ليست بذات قيمة، وإنما القيمة في أن يعيش الإنسان حياة فاضلة وكريمة تشرّفه في الدنيا والآخرة.
وهذا هو الفرق الذي يميز بين إنسان متكامل الإنسانية، وإنسان آخر، ليس له من الانسانية سوى الجسد الظاهر الذي يشبه أجساد البشرية، فيما داخله بالحقيقة عبارة عن وحش من الوحوش البرية، وهكذا نمط قد نجده – ولو قد لا نتمكن من مشاهدته على حقيقته- في من تتجسد فيهم صفات الطغيان والتكبر واتباع الهوى في كل شيء، وقد يتمثل في مختلف شرائح المجتمع، وليس بالضرورة أن يكون دائماً الزعيم أو القائد أو الحاكم. وهذه القضية بحد ذاتها هي من المفارقات بين الفكر الإسلامي وبين الفكر الآخر، فالإسلام الذي يعترف بحقيقة الوجود الإنساني والغرائز المندفعة في الذات البشرية فإنه لايوافق إطلاق تلك الغرائز لتستولي على الشخصية البشرية، فتلك الغرائز حتى وإن كانت جزءاً من صميم الشخصية البشرية لكنها تجنح إلى الإنفلات والتطاول على حقوق الآخرين ويمكن وصف تحرر الغرائز البشرية عن الضوابط القانونية والأخلاقية بالرئيس أو الزعيم الدكتاتور الذي يتمتع بالصلاحيات كافة للاستيلاء على مقدرات البشر، ولنأخذ مثلاً على ذلك صدام الذي قتل الناس بشكل جماعي وصفى معارضيه، ونفاهم واعتقل مخالفيه، وفعل كل ما يحلو له من أفعال بشعة لاشباع نزعته السلطوية.
يمكن تشبيه تحرر الغرائز من القيود باستيلاء صدام على السلطة، فالسلطة بالنسبة إلى هذا الشخص مفسدة له لأنه لايقدر على ضبطها والتحكم بها بحيث لاتجبرة على فعل كل القبائح، فهو بطبيعة الحال يبرر لنفسه كل الأعمال القبيحة التي قام بها خلال سني حكمه، فهو لايعتقد بأنه ارتكب خطأً أو جريمة خلال تلك الفترة.
وكل إنسان بحاجة إلى علم ومعرفة للتعامل مع الشيء الذي يريد الاستيلاء عليه، فانت عندما تريد أن تتعامل مع جهاز الحاسوب يجب أن تمتلك معرفة بنفس المقدار الذي يؤهلك للتعامل مع هذا الجهاز، أما من دون ذلك، فمن المؤكد أن العواقب تكون سيئة، وجاء في الأحاديث الشريفة أن بعض الأعمال لايستطيع أن يقوم بها أي انسان، وذلك لضخامة المسؤولية التي يتحملها الإنسان مع تلك المهمة في الدنيا والآخرة.
لكن نجد في الغرب هناك مساحة شاسعة تعطى للغرائز البشرية لتنطلق في الحياة، وهو في الواقع منهج يشرع القوانين التي تحجز الإنسان عن التصرف في نفسه بما يشاء من التصرفات غير العقلانية، في وقت يفترض ان يكون الانسان هو المسيطر وهو المنطلق في تفكيره وعقله واراداته وليس أهوائه وغرائزه.
وليس الإسلام وحده الذي ينادي بضبط الغرائز بل جميع الأديان تنادي بذلك حتى أصبح الأمر قضية أخلاقية يعترف الجميع بقيمتها، لكن الغريب أن مجتمعاتنا التي تعتقد بفضيلة الأخلاق وضرورة كبح جماح الغرائز، نجد أنها تعيش إنفلاتاً اخلاقياً كبيراً، حيث أن غريزة الغضب، من الغرائز النفسية الأكثر انفلاتاً، والأكثر انتشاراً في مجتمعاتنا حيث تسفك بسببها دماء الناس بكل سهولة.
فالجرائم التي تحدث في بلداننا الإسلامية، ليست بأقل حجماً من تلك التي تحدث في الغرب، بل ربما زادت وفاقتها عدداً ونوعية، فمن الأفضل قبل أن ننزه أنفسنا عن الشرور ونسب ونشتم الغرب علينا أيضاً أن نلاحظ أوضاعنا ونراجع نفوسنا التي بدت مريضة نتيجة الأفكار المبثوثة بين الناس ويحسبوها أنها من الإسلام.
والشيء المهم الذي يجب أن نعمله على صعيد واقعنا الإسلامي هو أن ننزع الغرائز من السلطة السياسية مثلما ننزعها من نفوس وشخصيات الأفراد، وجعل السلطة السياسية جهازاً يقوم على العقل وذلك من خلال الإعتماد على مراكز الدراسات الإستراتيجية، واعطاء دور أكبر للعقل الجمعي وليس الفردي، أو بمعنى آخر منح الصلاحيات الدستورية وإعطاء دور أكبر للمؤسسات المدنية التي تحمي حقوق الأمة والفرد.
إننا في العراق اليوم – مثلاً- لو وضعنا الصلاحيات السلطوية بيد مؤسسة واحدة مثل مؤسسة رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية فإننا سنفتح الطريق لمجيء دكتاتور جديد يحكم بالحديد والنار، وفضلاً عن ما ذكرنا يجب نزع العصبيات والأنانيات من جميع المؤسسات الحكومية، ويكون التعامل على أساس العدل والإنسانية، وللأسف يجب أن نتذكر التجربة السيئة لحكومة المليشيات والأحزاب عندما سيطرت على الواقع العراقي حيث أخذ كل حزب وكل تيار وجماعة نصيبها من الحكم والوزارة، ونقلوا معركتهم الفكرية والسياسية إلى تلك الوزارات، فأنت تستطيع أن تخلص معاملتك إذا كنت منتمياً لتلك الجماعة، وقد وصل الحال، أن تقوم مليشيا تلك الوزارة بالهجوم على مليشيا الوزارة الأخرى وتخطف المسؤولين والمدراء وهكذا.
يحدث ذلك عندما نسمح للغرائز والعصبيات بأن تستولي على مقدرات النظام السياسي، وللأسف إن الذين جلبوا النظام الطائفي هم مسهمين بشكل أو بآخر في خلق هذا الوضع، ذلك أنهم اطلقوا العنان للغرائز الوحشية بأن تنفجر مرة واحدة.